وابن مضاء ، استدلوا بقوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) [الكهف ، ١٨] ، وتأوّلها غيرهم (١).
الثاني : أن يكون معتمدا على واحد من أربعة ، وهي :
(١) الأول : النفي كقوله :
٢٠٣ ـ ما راع الخلّان ذمّة ناكث |
|
بل من وفيّ يجد الخليل خليلا |
______________________________________________________
٢٠٣ ـ هذا بيت من الكامل ، ولم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين.
__________________
(١) نقرر لك هذا الموضوع بشيء من البسط في القول ، فنقول :
اختلفت كلمة النحاة من هذا الموضوع في مسألتين.
الأولى : هل يجوز في اسم الفاعل المجرد من أل إن كان بمعنى الماضي ـ أن يعمل؟ وجواب ذلك أن الجمهور قالوا : لا يجوز أن يعمل حينئذ ، وذهب الكسائي ـ وتبعه هشام وابن مضاء ـ إلى أنه يجوز أن يعمل ، واستدلوا على ما ذهبوا إليه بالآية الكريمة التي تلاها المؤلف ، ووجه الاستدلال بها أن «باسط» اسم فاعل معناه ماض ؛ ونعني بمضيه أن زمن حصوله للمخبر عنه به سابق على زمن نزول الآية الكريمة على الرسول صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن المخبر عنه قد مات قبل الإخبار عنه بزمان بعيد ، وقد نصب به ـ مع ذلك ـ المفعول به وهو قوله سبحانه (ذِراعَيْهِ) وقد أجاب الجمهور عن استدلال الكسائي ومن معه بهذه الآية الكريمة بأنا لا نسلم أن اسم الفاعل فيها ماض باق على مضيه ، بل هو دال على الحال ، وذلك على حكاية الحال ، ومعناها أن يفرض المتكلم نفسه أو يفرض من يخاطبه موجودا في وقت حدوث ما يقص خبره ، ويفرض أنه يحدثه في ذلك الوقت ، وفي ذلك من البلاغة ما ليس يخفى ، والدليل على أن الكلام في هذه الآية على ما ذكرناه من حكاية الحال أمران ؛ الأول أن الواو في قوله تعالى (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ) واو الحال ، وإنما يحسن أن تقول بعد واو الحال وكلبهم يبسط ، ولا يحسن أن تقول بسط ـ بالماضي ـ والأمر الثاني : أنه سبحانه قد قال بعد ذلك (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ) فأتى بالفعل المضارع الدال على الحال أو الاستقبال.
المسألة الثانية : هل قول الجمهور «إن اسم الفاعل إذا كان دالّا على المضي لا يعمل» خاص بنصبه المفعول به أم عام يتناول المفعول به والفاعل جميعا؟ والجواب عن ذلك أن نقول لك : إن معمولات اسم الفاعل على ثلاثة أنواع ؛ النوع الأول المفعول به والثاني الفاعل الظاهر ، والثالث الفاعل المضمر ، أما المفعول به فاتفق النقل عن الجميع على أن اسم الفاعل ـ إذا كان ماضيا ـ لم ينصبه ، وأما الفاعل الظاهر فقد اختلف الجمهور في رفع اسم الفاعل الذي بمعنى الماضي إياه ؛ فظاهر كلام سيبويه أنه يرفعه ، واختار هذا الرأي ابن عصفور ، وقال السيوطي : إنه هو الصحيح ، ولكن لا بد لرفعه الظاهر أن يعتمد على شيء مما ذكره المؤلف ، وأما رفع اسم الفاعل الذي بمعنى الماضي للفاعل المضمر فقد اختلف النقل فيه عن الجمهور ، فقال جماعة : هو واقع باتفاق الجميع ، وقال قوم : إنه مختلف فيه أيضا ، ونقل هؤلاء المنع عن ابن خروف وابن طاهر ، والصواب أنه لا خلاف فيه ؛ لأنه يبعد أن يذهب أحد إلى أن تكون صفة مشتقة لا فاعل لها ، فافهم ذلك وتدبره واحرص عليه.