أحدهما : أن المنادى محذوف ، أي : يا هؤلاء اسجدوا ، ويا قوم ليتنا نردّ ، ويا قوم ربّ كاسية في الدنيا.
والثاني : أن «يا» فيهن للتنبيه ، لا للنداء.
الثالثة : الإسناد إليه ، وهو أن يسند إليه ما تتمّ به الفائدة ، سواء كان المسند فعلا أو اسما أو جملة ؛ فالفعل ك «قام زيد» ف «قام» فعل مسند ، و «زيد» اسم مسند إليه ، والاسم نحو : «زيد أخوك» فالأخ : مسند ، وزيد : اسم مسند إليه ، والجملة نحو : «أنا قمت» ف «قام» فعل مسند إلى التاء ، وقام والتاء جملة مسندة إلى أنا.
فإن قلت : فما تصنع في إسنادهم «خير» إلى «تسمع» في قولهم : «تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه» (١) مع أنّ «تسمع» فعل بالاتفاق؟
قلت : «تسمع» على إضمار «أن» والمعنى أن تسمع ، والذي حسّن حذف «أن» الأولى ثبوت «أن» الثانية والفعل في تأويل مصدر ، أي : سماعك ؛ فالإخبار في الحقيقة إنما هو عن الاسم (٢).
__________________
فعل الأمر أو جملة دعائية علمنا أن المنادى بحرف النداء محذوف لكثرة ما رأينا مثله مذكورا في الكلام ، فأما إذا وجدنا حرف النداء قد وقع بعده «ليت» أو «رب» فالراجح أن نجعل هذا الحرف دالّا على التنبيه لأنه لم يكثر وقوع المنادى مذكورا قبله.
(١) قد روي هذا المثل بثلاث روايات :
الأولى «أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه» بنصب تسمع بأن المصدرية المذكورة ، وهذه الرواية لا غبار عليها ولا إشكال فيها ؛ لأن الخبر إنما هو عن المصدر المنسبك من أن والفعل المذكورين كما قال المؤلف ، ومثل ذلك قوله تعالى : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [سورة البقرة ، ١٨٤] ، وقول العرب : أن ترد الماء بماء أكيس.
والرواية الثانية : «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه» بنصب تسمع من غير وجود أن ، وفي هذه الرواية إشكال ، وهو حذف أن المصدرية وبقاء عملها ، وهو النصب ، مع أن القياس أنه متى حذف الناصب للمضارع ارتفع الفعل لضعف عامل النصب ، والرواية الثالثة «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه» برفع الفعل المضارع على ما يقتضيه القياس الذي قررناه ، وهذه هي الرواية التي تكلم المؤلف عنها وخرجها.
(٢) ومثل هذا المثل في حذف أن ونصب المضارع قول طرفة بن العبد البكري في معلقته :
ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى |
|
وأن أشهد اللّذات هل أنت مخلدي |
فإنه أراد «أن أحضر الوغى» فحذف أن وأبقى المضارع منصوبا بعد حذفها ، وكان في ذكر «أن» في قوله وأن أشهد اللذات» إيماء وإشارة إلى المحذوفة.