٣ ـ ألمّت فحيّت ثمّ قامت فودّعت |
|
فلمّا تولّت كادت النّفس تزهق |
وبذلك استدلّ على أن «عسى» و «ليس» ليسا حرفين كما قال ابن السّرّاج وثعلب في عسى ، وكما قال الفارسي في ليس (١) ، وعلى أن «نعم» ليست اسما كما
______________________________________________________
٣ ـ هذا بيت من الطويل من كلام جعفر بن علبة ـ بضم العين وسكون اللام ـ أحد بني كعب ابن الحارث ، وهو شاعر غزل مقل ، من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية ، وبيته هذا قد اختاره أبو تمام ضمن ستة أبيات في ديوان الحماسة (ج ١ ص ٥١) من شرح الحماسة للتبريزي بتحقيقنا).
اللّغة : «ألمت» زارت ، «حيت» فعل ماض من التحية «تولت» انصرفت راجعة ، «تزهق» تخرج.
المعنى : يصف أن حبيبته زارته فألقت عليه التحية ، ثم لم تلبث أن غادرته مودعة ، ويصف أنه لم يطق توديعها وانصرافها ، بل تألمت نفسه حتى عاين من الألم وبسببه ما يعاين المشرف على الموت.
الإعراب : «ألمت» ألم : فعل ماض ، والتاء علامة التأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي ، «فحيت» الفاء عاطفة ، وما بعدها فعل ماض متصل بتاء التأنيث ، وفيه ضمير مستتر جوازا هو فاعله ، «ثم قامت فودعت» كذلك ، «فلما» الفاء عاطفة ، لما : ظرفية بمعنى حين ، تتعلق بقوله تزهق في آخر البيت ، «تولت» تولى : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة في
__________________
فأما تاء التأنيث المتحركة أصالة فهي مختصة بالاسم نحو قائمة وقاعدة وذاهبة ومقيمة.
وأما التاء التي تدل على تأنيث اللفظ فإنها تدخل على الحرف ، وقد دخلت على رب من حروف الجر ، وعلى ثم من حروف العطف ، وعلى لا من حروف النفي ، فقالوا : ربت ، وثمت ، ولات ، وقال الشاعر :
وربّت سائل عني حفيّ |
|
أعارت عينه أم لم تعارا |
وقال آخر :
ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني |
|
فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني |
وقال الله تعالى : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) قال عبد الله بن أيوب التميمي :
لهفي عليك للهفة من خائف |
|
يبغي جوارك حين لات مجير |
(١) نظر القائلون بحرفية عسى وليس إلى معناهما ، فقالوا : عسى كلمة تدل على الترجي ، فهي مثل لعل في ذلك ، وليس كلمة تدل على النفي ، فهي مثل ما في ذلك ، ولما كانت لعل حرفا باتفاق ، وجب أن تكون عسى حرفا أيضا ، ولما كانت ما حرفا باتفاق وجب أن تكون ليس كذلك ، ورد هذا الاستدلال بأنه لا يلزم أن يكون الكلمتان اللتان تدلان على معنى واحد متحدتين في النوع ، فكم من الأسماء ما يدل على معنى الحروف ، وكم من الأفعال ما يدل على معنى يدل عليه حرف.