وأنشده ابن مالك وغيره «يا ليت عدة شهر» وهو تحريف.
ويجب في التأكيد كونه مضافا إلى ضمير عائد على المؤكد مطابق له ، كما
______________________________________________________
* يا ليت أيام الصبا رواجعا*
الشّاهد فيه : قوله «حول كله» حيث أكد النكرة ـ التي هي قوله حول ـ بكل ، وهذا شاذ فيما حكاه المؤلف ههنا وفي القطر ، لكنه في أوضحه ـ تبعا لابن مالك في التسهيل والكافية والخلاصة ـ قد اختار صحة توكيدها بشرط حصول فائدة ، وقال : «إن الفائدة تحصل بأن تكون النكرة محدودة والتوكيد من ألفاظ الإحاطة» وأنشد هذا البيت على أنه مما حصلت فيه الفائدة.
وخلاصة أقوال العلماء في هذه المسألة أن النحاة اختلفوا في توكيد النكرة ، ولهم في ذلك ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنه لا يجوز توكيد النكرة مطلقا ، أفاد توكيدها أو لم يفد ، وهذا هو الذي جرى عليه المؤلف هنا وفي كتابه قطر الندى.
والقول الثاني : وهو لبعض الكوفيين ـ أنه يجوز توكيد النكرة مطلقا.
والقول الثالث : وهو قول الأخفش وجمهور الكوفيين ـ إنه يجوز توكيد النكرة إن أفاد توكيدها ، ويمتنع إن لم يفد ، وهذا الرأي أرجح الآراء الثلاثة ؛ لأنه الموافق للمرويّ عن العرب ؛ فقد وردت عنهم جملة صالحة من الشواهد التي تؤيده ؛ فمنها الحديث الذي رواه المؤلف عن أم المؤمنين عائشة ، ومنها بيت الشاهد الذي معنا ، ومنها قول الراجز :
يا ليتني كنت صبيّا مرضعا |
|
تحملني الذّلفاء حولا أكتعا |
إذا بكيت قبّلتني أربعا |
|
إذا ظللت الدّهر أبكي أجمعا |
الاستشهاد في قوله «حولا أكتعا» حيث أكد النكرة ـ التي هي قوله «حولا» ، بأكتع ـ ومنها قول راجز آخر :
إنّا إذا خطّافنا تقعقعا |
|
قد صرّت البكرة يوما أجمعا |
والاستشهاد به في قوله «يوما أجمعا» حيث أكد النكرة ـ التي هي قوله «يوما» ـ بأجمع.
والذين جوزوا توكيد النكرة بشرط حصول الفائدة قالوا : إن الفائدة تحصل إذا اجتمع أمران : أولهما في النكرة ، وهو أن تكون زمنا محدودا : أي موضوعا لمدة لها ابتداء وانتهاء ، مثل أسبوع وشهر وحول وسنة وعام ويوم ؛ فإن لم تكن محدودة لم يصح مثل زمن ومدة ووقت ولحظة وساعة ، وثانيهما في لفظ التوكيد ، وهو أن يكون من ألفاظ الشمول ، مثل كل وجميع وأجمع وأكتع.