ومنه «هات» بكسر التاء ، و «تعال» بفتح اللام ، خلافا للزّمخشري في زعمه أنهما من أسماء الأفعال ، ولنا أنهما (١) يدلان على الطلب ويقبلان الياء ، تقول : «هاتي» بكسر التاء ، و «تعالي» بفتح اللام ، قال الشاعر :
______________________________________________________
٥ ـ إذا قلت هاتي نوّليني تمايلت |
|
عليّ هضيم الكشح ريّا المخلخل |
الشّاهد فيه : قوله «نعمت» فإن دخول تاء التأنيث يدل على أن «نعم» فعل ماض ؛ لأن تاء التأنيث لا تلحق إلا هذا النوع من أنواع الكلمات ، وهذا الذي اختاره المؤلف هو مذهب جمهرة النحاة إلا الفراء ، وهو الذي تنصره الأدلة ، ويشهد له الاستعمال العربي ، وقد أنث صاحب هذا الشاهد «نعم» مع أن فاعلها ـ وهو قوله «جزاء المتقين» ـ مذكر لكون المخصوص بالمدح ـ وهو قوله «الجنة» ـ مؤنثا.
ونظير هذا البيت في كل ما جيء به من أجله قول ذي الرمة يصف ناقة من قصيدة يمدح فيها بلال بن أبي بردة :
أو حرّة عيطل ثبجاء مجفرة |
|
دعائم الزور ، نعمت زورق البلد |
٥ ـ هذا بيت من الطويل لامرئ القيس بن حجر الكندي ، أحد الفحول من شعراء الجاهلية ، وأحد أصحاب المعلقات ، وهذا البيت من معلقته المشهورة ، وحجر اسم أبيه ، بضم الحاء وسكون الجيم.
اللّغة : «هضيم الكشح» يريد دقيقة الخصر نحيلته ، «ريا المخلخل» ممتلئة الساق ، والمخلخل ـ بضم الميم وفتح الخاءين بينهما لام ساكنة ـ هو مكان الخلخال ، والعرب تستحسن من المرأة دقة الخصر وعبالة الساقين : أي ضخامتهما.
الإعراب : «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط يخفض شرطه وينتصب بجوابه ، «قلت» فعل وفاعل ، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها ، «هاتي» فعل أمر مسند إلى ياء المخاطبة ، والجملة في محل نصب
__________________
(١) اعلم أولا أن بين الفعل واسم الفعل فرقا ، وهو أن الفعل تتصل به ضمائر الرفع البارزة ، وهي ألف الاثنين وواو الجماعة وياء المخاطبة ، تقول : «المحمدان ضربا بكرا ، والمحمدون يضربون بكرا» وتقول في الأمر : «اضربا ، واضربوا ، واضربي» ، فأما اسم الفعل فلا تتصل به هذه الضمائر ، بل تقول «صه» و «مه» بلفظ واحد سواء أكان المأمور واحدا أم اثنين أم جماعة ، ومن أجل هذا صح للنحاة أن يقولوا : إذا دلت كلمة على معنى الأمر ولم تقبل ياء المخاطبة كانت اسم فعل أمر ، ومن أجل هذا أيضا صح استدلال النحاة على ما ذهبوا إليه من أن هات وتعال فعلا أمر وليسا اسمي فعل بأنهما يقبلان دخول ياء المؤنثة المخاطبة عليهما ، إذ لو كانا اسمي فعل أمر لدلا على طلب الفعل طلبا جازما ولم يقبلا ياء المؤنثة المخاطبة ، وقد قبل كل منهما الياء فيما أنشده المؤلف من قول امرئ القيس وقول أبي فراس ، وبهذا التقرير يتم الرد على الزمخشري.