[بالمفعول] (يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ) [الرعد ، ٢٣] ، ف «من» : عطف على الواو من «يدخلونها» وجاز ذلك للفصل بينهما بضمير المفعول.
ومثال العطف من غير توكيد ولا فصل قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «كنت وأبو بكر وعمر» و «فعلت وأبو بكر وعمر» وقول بعضهم : «مررت برجل سواء والعدم» ف «سواء» صفة لرجل ، وهو بمعنى مستو ، وفيه ضمير مستتر عائد على رجل ، و «العدم» معطوف على ذلك الضمير ، ولا يقاس على هذا ، خلافا للكوفيين (١).
__________________
(١) مذهب جمهور البصريين التفصيل ، وحاصله أن الضمير المرفوع إما أن يكون بارزا منفصلا ، وإما أن يكون بارزا متصلا ، وإما أن يكون مستترا في رافعه ، فإن كان منفصلا جاز العطف عليه بغير فصل بينه وبين المعطوف ، تقول : ما أكرمك إلا أنا وخالد ، وإن كان متصلا أو مستترا في رافعه لم يجز العطف عليه إلا مع الفصل بينه وبين المعطوف ، ويكثر الفصل بواحد من ثلاثة أشياء : أولها الضمير المنفصل ، نحو قوله تعالى : (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) [الأنبياء ، ٥٤] ، ونحو قوله جل ذكره (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) [البقرة ، ٣٥] ـ وثانيها مفعول رافع الضمير ، نحو قولك : أكرمتك وزيد ، وقوله تعالى : (يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ) [الرعد ، ٢٣] ـ وثالثها لا النافية ، نحو قوله جل شأنه (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) [الأنعام ، ١٤٨] ـ ومذهب جمهور الكوفيين أنه يجوز العطف على الضمير المرفوع بارزا كان أو مستترا ، منفصلا كان أو متصلا ، مع الفصل بينه وبين المعطوف ومن غير الفصل بينهما ، واستدلوا على ذلك بمجيئه في كلام العرب الموثوق بعربيتهم ، فمن ذلك ما حكاه سيبويه رحمهالله من قولهم : مررت برجل سواء والعدم ـ برفع العدم معطوفا على الضمير المستتر في سواء ، لأنه بمعنى اسم الفاعل ـ ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث ابن عباس قال : إني مع قوم ندعو الله لعمر بن الخطاب ـ وقد وضع على سريره ـ إذا رجل من خلفي مرفقه على منكبي يقول : رحمك الله ، إني لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك ؛ لأني كثيرا ما كنت أسمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : كنت وأبو بكر وعمر ، وانطلقت وأبو بكر وعمر ، قال ابن عباس : فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب ، ومن ذلك قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي :
قلت إذ أقبلت وزهر تهادى |
|
كنعاج الفلا تعسّفن رملا |
فقوله «وزهر» معطوف على الضمير المرفوع المستتر في «أقبلت» وتقديره هي.
ومن ذلك قول جرير بن عطية بن الخطفي يهجو الأخطل التغلبي النصراني :
ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه |
|
ما لم يكن وأب له لينالا |
فقوله «وأب» معطوف بالواو على الضمير المرفوع المستتر في «يكن» وتقديره هو يعود إلى الأخيطل الذي هو تصغير الأخطل.
والبصريون يحملون جميع ذلك على الضرورة ، ونحن نرى أن حمل هذه الشواهد ـ مع أن فيها ما ليس من الشعر في شيء ـ على أنها ضرورة أو شاذة مما لا يجمل الأخذ به ، وعلى هذا يكون مذهب الكوفيين في هذه المسألة أقوم حجة ، وأظهر دليلا ، من مذهب البصريين وإن نصره المؤلف تبعا لابن مالك.