هذا ما يرجع إلى معناه اللغوي وما يستعمل فيه ، لكن الكلام فيما هو المقصود من هذا اللفظ فنقول : ها هنا أقوال نأتي بها :
١ ـ إنّ لله سبحانه عرشاً كعروش الملوك يستقر عليه ويدبّر العالم منه ، وهذا هو الذي تصرّ عليه المجسّمة والمشبّهة من الحنابلة ، وأمّا الأشاعرة الذين يتظاهرون بالتنزيه لفظاً لا معنى يقولون بهذا المعنى ولكنّهم يضيفون إليه « بلا تكييف » أي أن له سريراً واستقراراً لا كسرير الملوك واستقرارهم والكيفية مجهولة.
وهناك قصّة تاريخية نقلها السيّاح المعروف ب « ابن بطوطة » لمّا زار الشام وشاهد أنّ « ابن تيميّة » صعد المنبر وهو يعظ الناس ويقول :
وكان بدمشق من كبار الفقهاء « تقي بن تيميّة كبير الشام يتكلّم إلاّ أنّ في عقله شيئاً ... فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جملة كلامه : إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجة من درج المنبر ، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء ، وأنكر ما تكلّم به فقامت العامّة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتى سقطت عمامته ... (١).
وهذا المعنى مردود مرفوض عند أهل التنزيه لأنّه تفسير للعرش تفسيراً حرفياً وغير جائز بداهة في تفسير الكلام العادي فضلاً عن كلام البلغاء ، فإنّ المتّبع في تفسير الكلام هو المعنى الجملي التصديقي لا المعنى الافرادي التصوّري ، فإذا قال الرجل : إن فلاناً مبسوط اليد أو كثير الرماد ، فليس لنا تفسيره ببسط العضو المعروف بحجّة أنّ اليد لفظ موضوع للجارحة ، أو حمل كثرة الرماد على معناه الحرفي الملازم لكون بيته غير نظيف بحيث يشمئزّ الإنسان من الدخول إليه ، بل يجب تفسير الأوّل بالسخاء ، والثاني بكثرة الطبخ الملازم لكثرة الضيافة التي هي رمز للكرم والسخاء.
وعلى ضوء هذا يجب إمعان النظر في مجموع الايات الواردة حول العرش
__________________
(١) رحلة ابن بطوطة : ص ٩٥ طبع بيروت.