« إنّما ننظر إلى الله ثم إليك ».
وهذا مؤلّف « أقرب الموارد » عند ما يذكر هذا المثال يفسّره بقوله : « إنّما أتوقع فضل الله ثم فضلك ».
فالكلام هو عن توقّع الرحمة ووصولها وشمولها وعدم توقّعها ووصولها وشمولها.
ولنا في الكتاب العزيز نظير لهذا ، إذ يقول سبحانه :
( وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ ) ، فكل هذا كناية عن طردهم عن ساحته ، ويشعر بذلك قوله في الآية المتقدمة عليها ( بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ ).
فالآيتان بهذا الشكل من حيث الموضوع والحكم.
من أوفى بعهده واتقى ; يحبّه الله.
ومن اشترى بعهد الله وإيمانه ; لا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم.
فبقرينة المقابلة بين الجزئين يعلم أنّ المرا د هو حبّه سبحانه المستلزم للجزاء الحسن ، وعدم حبّه المستلزم للجزاء السيء.
فالمراد ب « لا ينظر إليهم » ليس هو عدم رؤية الله لهم ومشاهدتهم ، فالرؤية وعدم الرؤية ليست أمراً مجدياً أو ضارّاً إنّما ايصال الرحمة وعدم ايصالها للشخص هو النافع أو المضرّ بحاله ، فيكون جملة « لا ينظر إليهم » كناية عن عدم اللطف والرحمة.
وهذه الآية شغلت ـ مع الأسف ـ بال المعتزلة والأشاعرة قروناً عديدة فركّزوا البحث في تحديد معنى « ناظرة » وانّها بمعنى الانتظار أو الرؤية ، فكلّ استظهر مايطابق مختاره ، وقد غفلوا عن مفتاح حل المشكلة ، وأنّه يجب ملاحظة الآية من حيث السياق والهدف والقرائن الحافة بها.