هذا ويؤيّد ما ذكرناه من أنّ النظر ولو كان بمعنى الرؤية ليس المقصود منه الرؤية البصريّة الحسّيّة بل المراد هو الكناية عن انتظار الرحمة الإلهية ، وتقديم المفعول وهو « إلى ربّها » على العامل وهو « ناظرة » نظير قوله تعالى : ( إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المُسْتَقَرُّ ) ونظائرها ، فإنّ تقديم المفعول يدل على معنى الاختصاص لأنّ الإنسان لا يتوقّع هنا إلاّ رحمة الله وعنايته ولطفه ، وأمّا النظر بمعنى الرؤية ، فلا ينحصر بالله لأنّ الناس ينظرون إلى غير الله أيضاً كما تدلّ عليه آيات وروايات.
قال الزمخشري : « معلوم أنّهم ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر ، ولا تدخل تحت العدد في محشر يجتمع فيه الخلائق كلّهم ، فإنّ المؤمنين نظّارة ذلك اليوم لأنّهم الآمنون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، فاختصاصه بنظرهم إليه ـ لو كان منظوراً ـ محالٌ فوجب حمله على معنى يصحّ معه الاختصاص ، والذي يصحّ معه أن يكون من قول الناس : أنا إلى فلان ناظر ، ما يصنع بي تريد معنى التوقّع والرجاء ومنه قول القائل :
وإذا نظرت إليك من ملك |
|
والبحر دونك زدتني نعما (١) |
نعم أورد عليه صاحب « الإنتصاف » بقوله :
« إنّ المتمتّع برؤية جمال وجه الله تعالى لا يصرف عنه طرفه ، ولا يؤثّر عليه غيره ولا يعدل به ـ عزّ وعلى ـ منظوراً سواه ، وحقيق له أن يحصر رؤيته إلى من ليس كمثله شيء ، ونحن نشاهد العاشق في الدنيا إذا أظفرته برؤية محبوبه لم يصرف عنه لحظة ، ولم يؤثر عليه ، فكيف بالمحبّ منه عزّ وجلّ إذا أحظاه للنظر إلى وجهه الكريم » (٢).
أقول : لو صحّ ما ذكره صاحب « الإنتصاف » وإنّ النظر إنّما هو بمعنى الرؤية البصرية الحسّيّة ، وإنّ المؤمن ينظر إلى الله سبحانه ، وإنّ جمال الله تعالى يجذبه ،
__________________
(١) الكشاف : ج ٤ ، ص ١٦٥.
(٢) نفس المصدر.