والحاصل : انّ هذه الروايات تركّز على نكتة فلسفيّة تغيب عن أذهان المتوسّطين وهو انّه سبحانه واحد ليس معه شيء ، وانّ هذا التوحيد مستمر في جميع الأوقات والأزمان ومن المعلوم أنّ الاعتراف بهذا النوع من التوحيد والتنزيه ، ونفي أن يكون شيء معه لا يتم إلاّ بالاعتراف بالحدوث الذاتي للعالم ، وإنّ وجوده نابع من وجوده سبحانه ، فليس في ذلك المقام أثر من الإمكان من غير فرق بين قبل التجلّي وبعده ، فالمعلوم أقصر من أن يصل إلى مقام العلّة ويجتمع معها.
هذا ما وصلنا إليه بعد التدبّر في الروايات.
نعم ، إنّ صدر المتألّهين وتلامذة منهجه حاولوا في المقام أن يثبتوا للعالم حدوثاً زمانيّاً وراء الحدوث الذاتي ، فمن أراد التبسّط فعليه المراجعة إلى كلامهم (١) ولكنّهم وإن بذلوا جهوداً كبيرة في تصوير الحدوث الزماني لكنّه لا يثبت ما ترومه المتشرّعة إذ أقصى ما يثبت بيانهم إنّ كلّ جزء من العالم مسبوق بعدم زماني بالنسبة إلى الجزء المتقدّم ، وهو ليس موضع بحث ونقاش وإنّما البحث في اثبات الحدوث لجملة العالم.
ثمّ إنّ لبعض المحقّقين ممّن عاصرناه كلاماً في المقام لا يخلو من فائدة ، فنأتي به برمته ، قال :
« اعلم انّ الذي يظهر لي في هذا المقام العويص ، هو أن يقال : إنّ المراد من العالم ( بمعنى ما سوى الله ) إمّا يكون هو هذا العالم المشهود لنا من السماء والسماويّات والعنصر والعنصريّات ، وإمّا يكون مطلق ما سوى الله ممّا يتصوّر من عالم مادي أو مجرّد ، فالأوّل أعني هذا العالم المحسوس ، فالحق انّه ليس على قدمه دليل ، ولا في القول بحدوثه محذور بل هو حادث زماني أعني مسبوقاً بالعدم
__________________
(١) الاسفار ج ٦ ص ٣٦٨.