الاستغراق في اللعب ، فلم تكن الحياة عندهم حالة جدّية تنطلق لتحدّد للإنسان نظام حياته الذي يركز وجوده على قاعدة ويقود مسيرته في خط الصراط المستقيم ، بل كانت حالة لهو ولعب وعبث وخوض في وحول الباطل الذي لا يخدم أيّ شيء في واقع الحياة وحركتها ، فلا تتوقف عندهم لتتجمد ولتعتبر أن دعوتك قد وصلت إلى طريق مسدود ، لأنهم لا يمثّلون أوّل الخلق وآخره ، فهناك خلق كثير آمنوا قبلهم ، كما أن هناك خلقا كثيرا سيؤمنون من بعدهم. فتابع مسيرتك واتركهم لتدبير ربك في ما يدبّره من شوؤنهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) وهو يوم القيامة الذي كانوا ينكرونه ، ليواجهوا الحقيقة المائلة أمام أعينهم في ما يشبه الصدمة أو المفاجأة ، (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) وهي القبور ، (سِراعاً) يحثّون الخطى إلى لقاء الله في موعد الحساب (كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) وذلك عند ما كانوا في الدنيا يسرعون إلى الأنصاب وهي الأصنام التي كانوا يعبدونها. وقد أطلق ذلك على سبيل التهكم والاستهزاء في سرعة سيرهم إلى الموقف الصعب الذي ينتظرهم. ولكن هناك فرقا بين هذا الموقف وذلك الموقف.
(خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) لأنهم لا يملكون أن يفتحوا عيونهم على مشاهد العذاب التي تنتظر المجرمين في الآخرة. ولذلك فإن أبصارهم تحدّق في الأرض تحديقة ذليلة متعبة خاشعة ، (ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) وكانوا يشكّون فيه وينكرونه ويستعجلونه استعجال سخرية واستهزاء.
* * *