حجة على الرفض.
وقد تكون المسألة منطلقة من الحجة العقلية التي تتمثل بالفطرة في ما توحي به من الإيمان بالله وبتوحيده ، ومن الانفتاح على مراقبته في ما تفرضه من مواقع رضاه في السلوك الذي تدفع إليه الفطرة التي هي بمثابة الرسول الباطني.
وقد نستطيع استيحاء وجود حالة دينيّة في الواقع التاريخي السابق على رسالة نوح من قصة ابني آدم اللّذين (قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ* إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) [المائدة: ٢٧ ـ ٢٩] وهكذا نفهم من ذلك وجود مفهوم دينيّ واضح عن القربان المرفوع إلى الله ، وعن التقوى وعن السلوك الأخلاقي الذي يدفع إلى رضى الله ، في مقابل السلوك غير الأخلاقي الذي يدفع إلى سخطه وإلى دخول النار. ولا بد من أن يكون هذا المفهوم ممتدّا في مستقبل الناس بعد ذلك ، في ما يمثله الوجدان الديني من حالة عامة في المجتمع آنذاك ، مما يجعل من الصعب زوالها واندثارها. وبذلك يمكن أن يكون هذا الوجدان قد تنامى بفعل إرسال الرسل الذين لم يقصص الله علينا تاريخهم ، مع ملاحظة مهمّة وهي أن الله لا بد من أن يقيم الحجة على عباده ، بإرسال الرسول قبل أن يعذبهم ، وذلك ما جاءت به الآية الكريمة في قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥] وربما نستوحي وجود رسل غير نوح من قوله تعالى : (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ) [الفرقان : ٣٧] فإن الجمع يفرض ذلك وقد ورد الحديث عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام في ما رواه صاحب كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة قال : كان بين آدم ونوح عشرة آباء كلهم أنبياء.