ونهى عنه نظرا ، وإن كان أقلكم تطوّعا» (١).
وجاء في الكافي ـ بإسناده عن سفيان بن عيينة ـ عن أبي عبد الله جعفر الصادقعليهالسلام في قول الله عزوجل : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) قال : ليس يعني أكثر عملا ولكن أصوبكم عملا ، وإنما الإصابة خشية الله والنية الصادقة والحسنة.
ثم قال : الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل ، والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عزوجل ، والنية أفضل من العمل ، ألا وإن النية هي العمل ، ثم تلا قوله عزوجل : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) [الإسراء : ٨٤] يعنى على نيته»(٢).
ونستوحي من ذلك أن العنصر الذي يمنح العمل قيمته ومعناه ، هو وعي العمل في العمق الفكري الذي يقود إليه ، وفي المعنى الروحي الذي يختزنه ويحتويه بما يتمثل في ذلك من سرّ الإخلاص وحقيقة العبودية لله في شخصية العامل ، وفي النتائج المترتبة عليه في الدنيا والآخرة. ولهذا وردت الأحاديث التي فضّلت الكمية الضئيلة في عبادة العالم الواعي لعبادته على الكمية الكثيرة في عبادة العابد الذي لا ينفتح على الآفاق الواسعة لعبادته ، كما وردت الأحاديث التي تؤكد على أن الله يثيب العامل من عباده على مقدار عقله ، الأمر الذي يجعلنا نرى أن العمل في الإسلام ينطلق في مستوى وعي العامل له ، وفي نطاق الدرجة التي يبلغها في امتداد المعاني الروحية في شخصيته ، ليتصاعد العمل في درجته من خلال نموّ الإنسان في وعيه وعقله وانفتاحه على أسرار العقيدة ، في حركة الإيمان والحياة.
__________________
(١) الطبرسي ، أبو علي ، الفضل بن الحسن ، مجمع البيان في تفسير القرآن ، دار المعرفة ، بيروت ـ لبنان ، ط ١ ، ١٤٠٦ ه ـ ١٩٨٦ م ، ج : ١٠ ، ص : ٤٨٤.
(٢) الكليني ، الكافي ، دار الكتب الإسلامية ـ طهران ، ج : ٢ ، ص : ١٦ ، رواية : ٤.