هو الذي يضع الله له الرصد الذي يحفظه من بين يديه ومن خلفه لحمايته من الضياع ومن التحريف ومن الخطأ ، ليكون ذلك أساسا في الرقابة الدائمة التي تحمي الرسول في وعيه للرسالة ، وقدرته على إبلاغها ، وتحمي الرسالة من كل زيادة أو نقصان أو تحريف في ما يمكن أن يعرض لها من الطوارئ والعوارض المتنوعة في ذلك كله.
(لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ) في ما تثيره كلمة العلم من ظهور ذلك باعتباره سببا من أسباب العلم العادي للأشياء ، لا بمعنى توقف علم الله على ذلك (وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ) في ما يملكونه في داخلهم وفي خارج حياتهم ، مما يتصل بهم أو يحيط بأوضاعهم المتصلة بحركتهم في حركة الرسالة (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) في ما يحصيه الله من أعمال رسله بكل مفرداتها الجزئية والكلية ، وبكل الحالات النفسية التي يعيشها هؤلاء الرسل ، وبكل المواقف الجادّة في ساحة الدعوة أو في ساحة الجهاد.
وهكذا نرى أن الله يرعى رسوله ويراقبه ويحيط بما لديه ، ويحصي كل شيء عليه ، في ما يوحي به ذلك من معنى المسؤولية في كل حياة الرسول المتصلة برسالته في مواقفه الرسالية ، وفي نوازعه الذاتية ، لنستوحي منها الرقابة الدائمة على الدعاة إلى الله ، التابعين للرسول في خط الدعوة ، والسائرين على خطه في خط الجهاد في سبيل الله.
وقد فسر بعض المفسرين الآية بمعنى آخر ، فقد جاء في مجمع البيان أن «الرصد الطريق ، أي يجعل له إلى علم ما كان قبله من الأنبياء والسلف وعلم ما يكون بعده طريقا»(١). وما ذكرناه أقرب إلى الجو العام للسياق في السورة والله العالم.
وقد ذكر في تفسير قوله تعالى : (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) أن المراد به
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٥ ، ص : ٥٦٣.