عليه القرآن ، فكأنه رقّ له ، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال : يا عمّ ، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوه لك ، فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله. قال : قد علمت قريش أنّي من أكثرها مالا.
قال : فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر أو أنك كاره له.
قال : وماذا أقول؟ فو الله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ، ولا برجزه ولا بقصيده مني ، ولا بشاعر الجن ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ، وو الله إن لقوله الذي يقول لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، وإنه لمثمر أعلاه ، مغدق أسفله ، وإنه ليعلو وما يعلى ، وإنه ليحطم ما تحته.
قال : لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. قال : دعني حتى أفكر ، فلما فكّر قال: هذا سحر يؤثر ، يأثره عن غيره ، فنزلت : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) (١).
* * *
طريقة المشركين في إبعاد الناس عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
هذه هي قصة هذه الآيات في سبب نزولها ، كما رواها الرواة ، فإذا صحت ، فإنها تعطينا الفكرة عن الطريقة التي كان يحاول أبو جهل والمشركون معه أن يحاصروا النبي في دعوته ، فلا يسمحون لأحد أن يلين قلبه للقرآن ، أو تنفتح روحه للنبي في عملية تأثر ورقّة ، لأنهم يخشون أن يتحوّل هذا التعاطف إلى انفتاح على الإسلام من نافذة القلب والشعور ، من خلال كلمات القرآن القريبة للعقل والوجدان. فلما رأوا الوليد بن المغيرة ، وهو من شيوخ قريش ، قد رقّ قلبه ولان لكلمات الإسلام ، أرادوا أن يخوّفوه من غضب قومه عليه ، بعد أن عرضوا عليه المال ـ وهو في غنى عنه ـ وقد اتهموه بأن رقّته أمام
__________________
(١) الدر المنثور ، ج : ٨ ، ص : ٣٣٠.