(وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ) وليس هذا التساؤل للاستفهام ولكنه للتهويل الذي يهزّ مواقع الخوف في الذات ، ويحرّك مكامن الرعب في الجوّ المحيط به ، (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) لأنها تجتاح كل شيء ، فلا تبقى لحما إلا أكلته ، ولا يبقى وراءها شيء ، ولا يفضل منها شيء ، (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) أي لافحة للجلود حتى تدعها أشد سوادا من الليل ، (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) من الملائكة الذين يحرسون جهنم ويقومون بالمهمات الموكلة إليهم من قبل الله ، فينفذونها بكل دقّة وإخلاص ، لأنهم من عباد الله المخلصين الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
وهكذا ينتهي الحديث عن هذا الإنسان الحاقد الذي يبثّ كل حقده في وجه الرسالة والرسول ... ولنا ملاحظة مفادها أن الصورة التي تنقلها الرواية عن الوليد تختلف عن الصورة التي تنقلها السورة في هذه الآيات ، لأن صورته في الرواية هي صورة الإنسان الذي خشع قلبه ورقّ لآيات الله ، ولم ينطلق في حديثه عن النبي إلا بطريقة موضوعية تناقش كل ما أثاروه حوله من صفة الشعر والكذب والكهانة ، ولم ينطق بتهمة السحر إلا بعد الضغط عليه من أبي جهل في كلمات مثيرة تهديدية ، تشير إلى ما يمكن أن يتعرض له من أعمال ضاغطة صعبة يمارسها قومه ، أمّا في السورة ، فإن الصورة تمثل الإنسان العنيد الذي لا ينفتح قلبه لآيات الله ، فيبادر من خلال حقده الذاتي ، وعقدته الخاصة ، ليثير الموقف ضد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بكل الوسائل العدوانية التي تبعد الناس عن الانفتاح عليه كرسول من قبل الله.
* * *