جعل قلوبنا فارغة من الرحمة ، مملوءة بالقسوة ، مغلقة عن كل المشاعر الإنسانية الحميمة ، وبعيدة عن كل معاني المسؤولية.
(وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) في وحول الأفكار والمواقف والكلمات غير المسؤولة ، فلم تكن عندنا قاعدة فكرية ننطلق منها لنحدد مواقفنا على أساسها ، ولم يكن لدينا منطلق للانتماء لنتعرف من خلاله على مواقعنا. وعلى ضوء ذلك ، كنّا نحدّق بالناس أين يتحركون لنتحرك معهم ، وكنا نلاحق الأوضاع كيف تتغير لنتغير معها ، وكانت أحاديث الناس التي تدور حول شخص ما ، أو جهة معينة ، هي الأحاديث التي ننفتح عليها ، ونندمج فيها ، ونتبنى كل أفكارها ، لنردّدها مع الذين يرددونها ، أو لنؤيدها مع الذين يؤيّدونها ، فليست المشكلة عندنا انسجامها مع الحقيقة ، بل المشكلة هي كيف ينظر الناس إليها ، وكيف يلتزمونها في الوجدان العام ، وهذا الذي جعلنا نخطئ من حيث لا يجوز لنا الخطأ ، ونظلم من لا يستحق الظلم ، ونحكم بالباطل من دون حجّة ، ونتنكّر للحق من دون أساس ، لأننا كنّا لا نعيش فكرنا بفعل ما ينتهي إليه العقل من نتائج ، ولا تتحرك مسئوليتنا بفعل ما تحدده المسؤولية لنا من مواقع ، بل كان الآخرون هم الذين يحدّدون لنا ذلك كله ، ولهذا فقدنا رضوان الله علينا ، لأن الله يرضى عن الذين يملكون الحجة من حيث يملكون حركة عقولهم ، ويواجهون القضايا من موقع المسؤولية الواعي ، بين يدي الله.
(وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) وهو يوم الجزاء الذي يقف فيه الناس جميعا للحساب ، ليحاسبهم الله على ما عملوه من خير وشرّ ، وكان لهذا التكذيب أثره في إبعادنا عن مراقبة أعمالنا وأقوالنا وعلاقاتنا في خط المسؤولية أمام الله ، بل كانت كل اهتماماتنا في مصالحنا الدنيوية وأهوائنا الذاتية ، لأننا كنا نعتبر الحياة التي نحياها نهاية المطاف ، فلم يكن لدينا أيّ مبرر للتفكير بما هو خارج الحياة ، مما يختزنه الغيب الذي لم يكن لنا سبيل إلى الإحساس به ، ولم تكن