الصافية ... ومنحناه حرية الاختيار بين الخير أو الشرّ ، سواء في الالتزام بطاعة الله كتعبير حيّ عن شكره له من ناحية عملية ، أو الالتزام بمعصيته كتجسيد حيّ للكفر بالنعمة ، من ناحية واقعية.
(إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) فهو بين هذين الخطين ، وما ينفتح عليه من خيارات من دون أن يواجه أيّ ضغط تكوينيّ في إبعاده عن عملية الاختيار.
وإذا أردنا أن نواجه مسألة الاختيار بين شكر النعمة باختيار الإيمان ، وكفرها باختيار الكفر والعصيان ، فإننا نلاحظ أن الناس بين من يستجيب لنداء فطرته التي تمثّل سرّ العمق في تكوينه ، أو لإرشاد عقله الذي يوازن بين الحسن والقبح في حقائق الأشياء ، أو للاستماع إلى وحي الله وحديث الأنبياء اللذين يفتحان حياة الإنسان على معرفة الخير والشر ، والصلاح والفساد ، ليختار الصلاح بدلا من الفساد ، وليتبع الخير بدلا من الشرّ ، وبين من لا يستجيب لذلك كله من خلال العوامل الطارئة في حركة الغريزة لديه ، أو في نوازع الذات في شخصه ، أو في نقاط الضعف في حياته ، أو في طبيعة الظروف الضاغطة المحيطة به.
وهكذا يقف الإنسان وجها لوجه أمام مسألة الهداية ، في عنصرها الإيجابي أو السلبي ، ليواجه مصيره على أساس مسألة الاختيار لديه. فإن الله لم يضغط عليه ليحوّل إرادته إلى ما يحبه له بالضغط التكويني الذي يشلّ إرادته ويمنعها عن الحركة ، ولكنه أثار أمامه النتائج الأخروية ، في مسألة الثواب والعقاب ، ليضغط عليه ضغطا معنويا في جانب الإحساس ، ليكون اختياره خاضعا للتفكير بالنتائج ، كما هو خاضع للجانب الموضوعي الذي تتحرك فيه الأشياء.
* * *