في وعيك الفكري والروحي ، لتتمثل وجوده في رقابته الإلهية عليك ، في حضوره في ساحتك العملية في أيّ موقع تختاره في ساحة الصراع ، وعند أيّ موقف ترفعه في مواقف التحدي ، وذلك هو الذي يمنحك القوّة عند ما تندفع قوة الآخرين إليك لتسقط روحك ، ولترهق أعصابك ، ولتضعف قوتك ، لأنك ـ من خلال ذكره ـ تستمد قوتك من قوته ، فلا تهاب أيّة قوّة أخرى ، لأنه يملأ شعورك الداخلي وإحساسك وروحيتك بكل قوة.
إن تحصين ذاتك في مواجهة التحديات والشدائد يفرض عليك أن تذكره صباحا عند ما تشرق الشمس بقدرته فتضيء الحياة كلها من حولك بنوره ، وأن تذكره عند الأصيل عند ما يطبق الظلام على الكون بإرادته ، فتنام الحياة في ظلال رحمته ، ليكون ذكر الله هو الذي يخرجك من الغفلة لتصحو على نداء مسئوليتك ، وهو الذي يدفعك إلى اليقظة لتتحرك في التزامك من موقع وضوح الرؤية في عقلك ووجدانك. إنه ذكر القلب والعقل واللسان ، والموقف العملي الذي يتوازن بين يديه.
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) فإن السجود هو آية الخضوع ، ورمز الإعلان عن العبودية لله ، بما يمثله من الذوبان الروحي في الله ، حتى كأن السجود في تعفير الجبهة التي هي رمز العنفوان ، بالتراب بين يدي الله ، يمثل سجود القلب في نبضاته ، واللسان في كلماته ، والحياة في كل مظاهرها العملية : في خضوعها له وانفعالها بأوامره ونواهيه ، (وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) في ابتهالات الداعي ، وخشوع العابد ، وهمسات المحبّ التي تعبّر بكل أساليبها وكلماتها عن عظمته ، بما يوحيه التسبيح من ذلك ، ليمتد مع الليل الطويل الذي تشرق الروح في قلب ظلامه ، عند هدوء الأصوات ، وصفاء المشاعر. ولعل السرّ في السجود الذي يعبّر عن الصلاة في الليل ، وفي التسبيح الذي يعبر عن الدعاء والمناجاة في أجواء السحر ، هو أن الله يريد لعباده أن يكونوا مشدودين إليه