السلبية هناك ، على أساس كفرهم وشركهم ... فينقلون السؤال من الموضوع في طبيعته إلى مسألة الموعد المعيّن له ، ليكون الحديث عن الجانب الجزئي من المسألة وسيلة للابتعاد عن الموضوع في ذاته ، لأن أيّ توقيت يجيب النبي به سوف يكون مدعاة للجدل وللتكذيب باعتبار أنه لا يرتكز على أيّة قاعدة حسيّة مادية في مواقعهم ، بل لا بد أنه يتحرك في المستقبل المجهول لديهم ، مما يفسح لهم المجال للكثير من الضوضاء حوله.
ولكن الله علّم رسوله أن يحدّد لهم الموقف الرسالي الذي لا يريد الرسول أن يبرز فيه كما لو كان عالما بكل شيء ، مستعدا للدخول في كل التفاصيل ، لأن مهمته ليست هي الحديث عن توقيت هذا الحدث أو ذاك ، لأن هناك من الأمور مما استأثر الله بعلمه ، فهي من غيب الله الذي لم يظهر عليه أحدا من خلقه حتى الأنبياء ، لأن ذلك ليس جزءا من رسالاتهم ، باعتبار أن القضية الموكولة إليهم هي أن يوجّه الناس إلى الاستعداد ليوم القيامة ، لا إلى موعدها ، وهذا ما ركزت عليه الآية التالية :
(قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) فهو ممّا استأثر الله بالاطلاع عليه (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) فكل دوري هو أن أنذركم عذاب الله بشكل واضح لتقوم الحجة عليكم ، وتتحملوا المسؤولية على هذا الأساس ليحيا من حيّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة من خلال حرية الاختيار.
(فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً) أي قريبا ، عند ما جاءهم الوعد الحق ، فواجهوا الموقف الحاسم ، (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بفعل المفاجأة التي انتصب أمامهم ، حيث كانوا يسخرون منه وينكرونه ، وشعروا من خلال ملامح وجوههم الحائرة الخائفة بالخيبة والخسران.
(وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) عند ما كنتم تسألون عنه وتستعجلونه وتطلبونه وتتساءلون دائما عن سخرية أو حقيقة : متى هذا الوعد؟ وقد يلوح