لطبيعته ، عارفا بالمسؤوليات التي يجب أن أحملها ، وبالأعمال التي ينبغي أن أقوم بها مما يريدني الله أن أتحرك فيه ، واثقا بأن الدنيا هي مزرعة الآخرة ، وأن الإنسان يحصد هنا ما كان يزرعه هناك ، وأن الذي يزرع الحسنات يحصد رضى الله ونعيمه في جنته ، وأن الذي يزرع السيّئات يحصد سخط الله وعذابه في ناره ، وأن الناس سوف يقفون جميعا أمامه ليواجهوا الحساب الدقيق الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من أعمالهم ، وهذا ما جعل خط حياتي يتحرك بالنتائج التي أقدّمها الآن ، أمام الله.
(فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) تمنحه الرضى الروحي والقلبي بحيث لا يشعر بأيّ نوع من الأذى الذي ينغّص عيشه ، أو القلق الذي يمزّق مشاعره ، وبذلك كانت راضية ، لأنها لا تحمل أيّ عنصر من العناصر التي ترهق صاحبها.
(فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ* قُطُوفُها دانِيَةٌ) فلا تكلّفه أيّ جهد في قطافها عند ما تشتهيها نفسه. ويبقى النداء الذي يتردد في جنبات الجنة لكل المؤمنين الذين يعيشون فيها السعادة العظيمة التي لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ليوحي إليهم بالكرامة التي يمنحهم الله إياها جزاء على أعمالهم الصالحة : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) التي انقضت بانقضاء الدنيا ، فقد جاهدتم وتعبتم وصبرتم وأعطيتم لله من جهدكم الكثير مما تستحقون عليه الثواب العظيم.
وإذا كان الحديث عن الأكل والشرب ، فإن المسألة لا تقتصر عليهما ، لأن السعادة الروحية التي يمنحهم الله إيّاها في رضوانه ولطفه ومحبته ، لا يبلغها شيء مما يعرفه الناس من مشاعر السعادة ، ولكن مناسبة الحديث عن الجنة يوحي بالحديث عن النعيم الحسي المتمثل بالأكل والشرب.
* * *