وهكذا تتنوع مواضيع السورة ، لينطلق البصر في السماء وفي الأرض ، بما يشتملان عليه من العجائب في خلق الكواكب ، وفي موارد الحياة في الأرض ، وفي حركة الطير في الفضاء ، وليثار أمام الكفر مشاعر الخوف من كل شيء فوقهم وحولهم ، ليعرف الناس أن الله وحده هو الذي يمنحهم الأمن من خلال سيطرته على كل شيء في الكون ، ولا يستطيع كل هؤلاء الذين يعبدونهم من دون الله أن يمنحوهم أيّ قدر محدود من الأمن الكوني ، لأنهم لا يملكون منه شيئا لأنفسهم ، فكيف يملكونه لغيرهم.
ويبقى الفكر في جولته الإيمانية ، يحدّق في نشأة الإنسان نفسه ، وما خلق الله له من السمع والأبصار والأفئدة ، وما مكّن الناس من الأرض وجعلهم فيها يتحركون في أرجائها ليحصلوا على الرزق الذي قدّره لهم ، وليفكروا بأن نهاية المطاف ستكون عنده ـ سبحانه ـ إذ يتولى حسابهم على أعمالهم ، لأنه الذي يملك أمر الآخرة ، كما يملك أمر الدنيا ، في نطاق قدرته وحكمته وتدبيره ، وإذا عرف الإنسان ذلك كله ، عرف ربّه وسلّم إليه أمره ، وتوكل عليه وتطلع إلى رحمته ، وميّز بين من يمشي مكبّا على وجهه ، وهم الكافرون الذين هم في ضلال مبين ، وبين من يمشي على صراط مستقيم ، وهم المؤمنون.
إنها السورة التي تدفع السمع والبصر والفؤاد ، للانطلاق من أجل أن تكون المعرفة الإيمانية منفتحة على الجانب الحسيّ والعقلي في مختلف المواقع ، ليكون الإيمان عميقا من خلال العقل والفطرة ، ممتدّا من خلال الحس المتصل بكل رحاب الكون.
* * *