يتساقط كما تتساقط حبّات المطر ، أو يسيل كما يسيل الينبوع في جريانه على وجه الأرض ، أو كما هي النّسيمات في أجواء الفضاء ، وأمام الجبال التي كانت أوتادا في الأرض ، فإذا بها رمال خفيفة تذروها الرياح في الجوّ المديد ، ليتساءل : ماذا هناك ، وماذا حدث؟ ويأتي الجواب من خلال الإحساس : إنه الكون الذي كان ، ثم بدأ الموت ليأتي كون جديد بإرادة الله الذي يريد للخلق أن يواجه الحياة الجديدة بكون جديد يتناسب مع طبيعة لون هذه الحياة.
إنها لحظات الحساب الذي هو المدخل لهذه الحياة ، الذي يختلف تبعا للتاريخ الذي عاشه الإنسان في دنياه في الكون القديم ، ولذلك فإن العقل مشغول عمّن حوله باستعادة كل الأفكار التي كان يثيرها حول عقيدة الإنسان ، والعاطفة مشغولة عن كل الأوضاع التي تحيط بها في ما كانت تنبض به من مشاعر الحب والبغض والرضى والسخط ، ونحو ذلك مما يستثير المسؤولية أمام الإنسان في ما يشبه الصدمة التي تهز كيانه كله ، ليتعرف النتائج التي تحدّد نوعية مصيره النهائي. ولهذا فلا مجال لأيّ سؤال أمام أيّ شخص يلتقي به الإنسان ، من أولئك الذين كانت العلاقات الحميمة هي التي تربط بينهم في الدنيا ، في ما اعتاده الناس بأن يسألوا بعضهم بعضا عن كل شيء يتعلق بهم ، ويتصل بحياتهم ، بعد فراق طويل. (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) لأن الجوّ الرهيب الذي أحاط بهم وأحاطهم بالهول الشديد الذي لا يسمح لأحد بالتفكير الهادىء والمشاعر المفتوحة بفعل الحركة الداخلية القلقة الخاضعة لضغط الخوف على المصير ، يجعل المسألة مسألة استغراق في سلامة الذات ومستقبلها ، فلا تبقى هناك أيّة فرصة للاهتمام بالآخرين.
* * *