تمنّيه الوارد في الآية : (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ* بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) ، إذ من الواضح أنّ الحجب في الحياة الأُخروية مرفوعة وانّ قومه المشركين يعلمون ، بل يرون النعم الإلهية التي ينعم الله تعالى بها على المؤمنين ، وإنّما الحجب موجودة بينهم وبين الحياة البرزخية ، ومن هنا يكون تمنّيه أمراً معقولاً ومنطقياً ، بخلاف ما لو كان المراد من الحياة هي الحياة الأُخروية ، فلا معنى حينئذ لهذا التمنّي مع رفع الحجب والأستار وانكشاف الأُمور إلى درجة تصفه الآية المباركة بقوله تعالى : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ). (١)
ثمّ إنّه سبحانه لم يمهل القاتلين طويلاً ولم يرسل جنداً من السماء لإهلاكهم ، بل أهلكهم سبحانه وأطفأ نور حياتهم بصيحة سماوية كانت فيها نهايتهم ، حيث قال سبحانه : (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ* إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ). (٢)
وخلاصة الكلام : انّ الآيات السابقة تدلّ بوضوح على بقاء الروح وإدراكها وشعورها وتلقّيها الخطابات (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) ، وتمنّيها أن يرى قومها ما أنعم الله عليها (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) ، وهلاك قومه بالصيحة بعد قتله مباشرة ، كلّ ذلك يراد به الحياة البرزخية والجنة البرزخية لا الأُخروية.
٣. عرض آل فرعون على النار
قال تعالى في وصف حال آل فرعون : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا
__________________
(١) ق : ٢٢.
(٢) يس : ٢٨ ـ ٢٩.