ولا ريب أنّ هذا النوع من الشرك الهندوسي أو النصراني يضاد التوحيد الذاتي مضادة تامة ، وذلك باعتبار أنّ هذا النوع من الشرك يثبت تركّب الذات الإلهية ، والقول بالتوحيد الذاتي ينافي هذا التركيب ويثبت بساطة الذات الإلهية.
والمهم في بحثنا هنا هو دراسة نوع الشرك الذي كان رائجاً في العصر الجاهلي وعصر نزول الوحي على النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، الشرك الذي تعرضت له الكثير من آيات الذكر الحكيم وهو الذي يعتمده الكثير من الباحثين المعاصرين في الدراسات المطروحة في مجال التوحيد والشرك.
إنّ من طالع آيات الذكر الحكيم وتاريخ الجزيرة العربية يدرك أنّ المجتمع الجاهلي لم يكن منحرفاً عن التوحيد في الخالقية ، بل كانوا يؤمنون بأنّ الخالق للكون والإنسان والموجد لهما هو الله سبحانه ، وهذا ما أشارت إليه بعض آيات الذكر الحكيم. (١)
نعم انّ شركهم يتمثّل في المرحلة الأُخرى ، وهي مرحلة الشرك في الربوبية وتدبير عالم الخلق ، بمعنى أنّهم يعتقدون أنّ الخالق للعالم هو الله وحده ولكنّهم يعتقدون في نفس الوقت أنّ المدبّر للعالم والذي بيده مصيره ومصيرهم هو «الأصنام» ، لأنّ الله سبحانه قد فوّض أمر التدبير إليها.
إنّ كتب الملل والنحل وإن أشارت إلى نقاط مهمة وأساسية في مجال عقائد أبناء المجتمع الجاهلي وطريقة تفكيرهم (٢) ، ولكنّ أوثق المصادر
__________________
(١) انظر : العنكبوت : ٦١ ؛ لقمان : ٢٥.
(٢) انظر : الملل والنحل للشهرستاني ، وبلوغ الأرب في أحوال العرب : ٣ / ٨٠ ؛ والمعضل في تاريخ العرب قبل الإسلام : ٩ / ١٩.