الثاني : الهاضمة وهي التي تصيّر الغذاء إلى ما يصلح أن يكون جزء من المغتذي ، ومراتبها أربع :
الأولى : عند المضغ لإنضاج الدماميل بالحنطة الممضوغة.
والثانية : في المعدة ، وهي التي تصير الغذاء كماء الكشك الثخين ويسمّى كيلوسا.
والثالثة : في الكبد ، وهي التي تصير الكيلوس أخلاطا ، وهي الدم والصفراء والسوداء والبلغم.
والرابعة : في الأعضاء بحيث يصير مزاج الغذاء شبيها بالعضو المغتذي.
الثالث : الماسكة تمسك المجذوب بقدر ما تفعل به الهاضمة.
الرابع : الدافعة تدفع الفضل الزائد عن الحاجة والمهيأ لعضو آخر إليه.
الرابعة : قالوا : لا تجتمع في بدن نفسان ، وهو ضروري ، فإنّ كلّ أحد يجد نفسه واحدة ، وكذا لا يكون لنفس بدنان وإلّا لكان معلوم أحدهما معلوم الآخر ، وهو باطل ، ولا يصير مبدأ صورة لبدن آخر أعني التناسخ ، لما ثبت (١) من حدوثها وعلّة حدوثها قديمة ، فلا بدّ من حدوث استعداد وقت حدوثها ليتخصّص ذلك الوقت بوجودها ، وذلك باعتبار القابل فإذا حدث وتمّ استحقّ فيضان نفس عن المبادي الفاعلة ، فلو انتقلت إليه نفس أخرى مستنسخة لزم اجتماع نفسين على بدن واحد ، وهو باطل ، لما قلنا.
الخامسة : قالوا : لا يجوز عليها الفناء بموت البدن ، لأنّها ليست مادية ، وكل ما يقبل الفناء مادي ، فالنفس لا تقبل الفناء.
أمّا الصغرى فقد تقدّمت ، وأمّا الكبرى فلأنّ إمكان عدمها يحتاج إلى محلّ مغاير لها ، لأنّ القابل يجب وجوده مع المقبول ، ولا يمكن وجود النفس مع العدم ، فذلك المحلّ هو المادة ، فتكون النفس مادية ، هذا خلف. قالوا : وجاء ذلك أيضا في النصوص الإلهية (٢) كقوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ
__________________
(١) نبين ـ خ : (آ).
(٢) فإنّ في الآية الشريفة دلالة على بقاء نفوس الذين قتلوا في سبيل الله تعالى وعدم فنائها بعد فناء أبدانهم وخرابها ، وقد نهى الله تعالى من القول بأنّهم أموات ، وذلك بعد خراب أبدانهم بسبب القتل والشهادة في ـ