هذا اذا أحرز ان المتكلم في مقام البيان. فعلى هذا ، لو كان مراده احدهما لوجب عليه البيان والتقييد باحدهما. وإلّا يلزم نقض الغرض ، وهو قبيح لا يصدر من الحكيم جلّ ذكره.
وان لم يحرز هذا شككنا ـ حينئذ ـ في وجوب الفور أو التراخي ، فيكون الشك في التكليف وهو مجرى اصالة البراءة لانا نعلم بوجوب ايجاد الطبيعة المأمور بها في ضمن فرد ، ولكن نشك في وجوب الفور وعدم وجوبه وفي وجوب التراخي وعدم وجوبه فنجري البراءة ونقول ان الاصل عدم وجوب احدهما والاصل براءة الذمة عنه.
استدلال الشيخ الطوسي :
واحتجّ الشيخ قدسسره على مذهبه بآية المسارعة وآية الاستباق وهما قوله : تعالى :
(وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)(١) ، (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ)(٢). وطريق استدلال الشيخ قدسسره بالآيتين الشريفتين ان في الاولى وجوب المسارعة الى سبب المغفرة لان نفس المغفرة فعل الله تعالى ، ويستحيل مسارعة العباد اليها ، والحال انه يشترط ان يكون متعلق التكليف مقدورا للمكلف ، فلا بد ان يكون المراد وجوب المسارعة اليه ، أي الى سبب المغفرة ، والحال ان الفعل الواجب من اسبابها. وان في الثانية وجوب المسابقة الى الخيرات ، ولا اشكال في ان فعل الواجب من الخيرات فتجب المسابقة اليه والمسارعة والاستباق انما يتحققان بالفور فقط. فاجاب المصنف عنه :
اولا : ان سياق الآيتين الشريفتين هو البعث والتحريك الى المسارعة والاستباق بنحو الاستحباب من دون ان يستتبع تركهما الغضب والشر ، وإلّا لكان البعث والتحريك بالتحذير عن تركهما انسب ، لان التحذير يكون اشدّ تأثيرا في
__________________
(١) سورة آل عمران : آية ١٣٣.
(٢) سورة المائدة : آية ٤٨.