فاجاب المصنف قدسسره عنه بنحوين :
احدهما : المناقشة في المقيس عليه. وثانيهما : المناقشة في المقيس.
اما المناقشة في المقيس عليه فهي ان الارادة في التكوينيات ، كما تتعلق بامر حالي فلا تنفك حينئذ عن المراد زمانا ، فكذا قد تتعلق بامر متأخر استقبالي فتنفك حينئذ عنه زمانا ، كما اذا تعلقت ارادته بالمسافرة في الصيف الى بلاد الشام او الى بلاد الهند مثلا ، فيكون فعلا بصدد مقدمات المسافرة من الزاد والراحلة والرفقة وجواز السفر وتحصيل معداتها في الحال الحاضر ، فلو لم تتعلق الارادة من الآن بالمسافرة بعدا لما المريد فعلا بصدد تكميل المقدمات وتحصيل معداتها.
فبالنتيجة : الارادة كما تتعلق بامر مقارن كذلك تتعلق بامر متأخر ، بل يكون جميع الغايات والاغراض متأخرا عن الارادة بزمان قليل كما اذا قلت مقدمات المراد ، أو بزمان كثير كما اذا كثرت مقدماته.
واما المناقشة : في المقيس فان الطلب الانشائي لا يكاد يتعلق إلّا بامر متأخر زمانا ، فان الطلب من الغير ليس إلّا لان يتصور الغير ويتصور متعلقه وما يترتب على امتثاله من المثوبة وعلى عصيانه من العقوبة ، فيصير هذا التصور داعيا لحركته نحو المطلوب فيأتى به في الخارج ، وهذا مما يحتاج الى فصل زماني بين الانشاء وبين تحقق المنشإ في الخارج سواء كان قصيرا أم كان طويلا.
وعليه فلا يمكن وقوع المطلوب خارجا الا بعد زمان الطلب ، فكيف يدعى وقوع المطلوب في زمان الطلب. ولعل الذي اوقع المستشكل في الغلط ما قرع سمعه من تعريف الارادة بالشوق المؤكّد المحرّك للعضلات نحو المراد فتوهم ان تحريكها نحو المراد لغو وعبث بل غير معقول.
والحال انه غفل عن ان كون الشوق المؤكد محركا للعضلات نحو المراد لا يلزم منه التحريك نحو المراد الاصلي الذي هو عبارة عن ذي المقدمة ، بل قد يكون التحريك بعد الشوق المؤكد الشديد الذي يكون بعد ارادة الشيء وقصده جانب المراد الاصلي اذا لم تكن المقدمات له.