واما الواجب النفسي فهو اصلي فقط ، ولا يكون تبعيا. فالاصلي منه مثل الصلاة ، اذ المولى يلتفت او التفت اليها والى ملاكاتها الكائنة فيها ولذا طلبها وأمر بها في قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) بالاصالة.
واما انه ليس تبعيا ، لان المولى اذا لم يلتفت اليه لم يكن وجوب في الواقع لا أصليا ولا تبعيا ، واذا التفت اليه كان الطلب أصليا لا تبعيا ، فظهر ان الواجب النفسي بلحاظ الاصالة ، والتبعية بلحاظ مقام الثبوت. والواقع لا ينقسم الى الاصلي والى التبعي. اي أن الواجب نفسي فقط. وان الواجب الغيري بلحاظ مقام الثبوت ينقسم اليهما هذا في مقام الثبوت. واما في مقام الاثبات والدلالة ، اي دلالة الدليل في مقام الافادة ، وفي مقام دلالة الدليل ، فينقسم الواجب النفسي والواجب الغيري الى الاصلي والتبعي.
بيان ذلك ان الواجب النفسي يمكن ان يستفاد من الخطاب مستقلا ، مثل الواجبات النفسية الاصلية كالصلاة والمعرفة باصول الدين والزكاة والصوم ونحوها ويمكن ان يستفاد بتبع شيء آخر ، مثلا اذا قال المولى : (اذا فسق العالم فلا يجب اكرامه). ويستفاد منه صريحا بمنطوقه عدم وجوب اكرام العالم الفاسق. ولكن مفهومه (اذا عدل العالم فيجب اكرامه) فوجوب اكرام العالم العادل واجب نفسي يستفاد من مفهوم الكلام الذي هو تابع لمنطوق الكلام في التفهيم والتفهم.
وفي هذا المقام لا منافاة بين الدلالة التبعية وبين وجوب نفس الشيء ـ اي بين استفادة وجوب نفسي الشيء بتبع شيء آخر ـ وبين كون الشيء واجبا نفسيا اذ لا يشترط استفادته من الخطاب الذي قصد به الافهام مطابقة وصراحة ، بل يجوز ان يستفاد من الخطاب ومن الدليل سواء دل عليه الخطاب مطابقة أم دل عليه التزاما.
وان الواجب الغيري يجوز ان يستفاد من الخطاب مستقلا ، ويدل عليه مطابقة مثل الوضوء ، لانه يدل على وجوبه الغيري قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) يمكن ان يستفاد الواجب الغيري من الخطاب بالالتزام ، ويدل عليه بدلالة الإشارة وهي ان لا تكون الدلالة مقصودة