ومنها أنّ الآية من قبيل مجاز الكناية فإسناد الختم إليه سبحانه كناية عن شدّة تمكّن الإعراض عن الحقّ والإصرار على الكفر جحودا وعنادا فيهم وفرط رسوخه في قلوبهم وأسماعهم بحيث كانّه صار كسائر الجبليّات الطبيعية والصفات الخلقية الصّادره عن الله سبحانه من دون صنع واختيار للعبد فيها فأراد الانتقال إلى الملزوم الّذي هو المقصود بذكر اللّازم الّذي هو الختم كما يقال : فلان مجبول على الشّر ومفطور على الظّلم ، من غير أن يراد تخلّقه عليهما حقيقة بل المراد صدورهما عنه كصدورهما عن المتخلّق المفطور بهما تنبيها على شدّة الّرسوخ والثّبات والتمكن ، وحيث لم يكن إرادة الحقيقة في اسناد الختم إليه سبحانه فهو مجاز متفرّع عن الكناية.
ومنها انّ الجملة كما هي بتمامها استعارة تمثيليّة شبّهت حال قلوبهم في النّبو عن الحق وعدم قبوله بحال قلوب مختوم عليها حقيقة كقلوب البهائم أو تقديرا ثمّ استعير ختم الله على القلوب بتمامها مبقاة على ظاهرها ، فالختم المسند إليه سبحانه ختم حقيقيّ أو تقديريّ باسناد حقيقي ، وقد مثّلت بها حال قلوبهم في التّجافي عن الحقّ والاعراض عن الايمان وعدم الاتّعاظ والتذكر وذلك كما يقال : سال به الوادي إذا هلك طارت به العنقاء إذا طالت غيبته ، وليس للوادي ولا للعنقاء عمل في هلاكه ولا في طول غيبته ، وإنّما هو تمثيل مثّلت حاله في هلاكه بحال من سال به الوادي ، وفي طول غيبته بحال من طارت به العنقاء.
ومنها انّ ذلك الختم وإن كان حقيقة فعل الكافر أو مترتّبا على فعله صادرا عنه باختياره وإرادته إلّا أنّ صدوره منه لما كان باقدار الله سبحانه ايّاه وابقائه عليه ما أعطاه من المشاعر والأعضاء والأدوات وسائر اسباب التمكن من الفعل والاستطاعة عليه فلذا أسنده إليه اسناد الفعل إلى المسبّب ، ومثله شايع في الإطلاقات كما يقال : بنى الأمير المدينة بل قد يسند الفعل إلى ساير الملابسات