كالمصدر والزمان والمكان كقولهم : شعر شاعر ، ونهاره صائم ، وصلّى المقام إلى غير ذلك وهذا الوجه قريب ممّا ذكرنا.
ومنها انّ الختم من الله تعالى على قلوبهم هو الشّهادة منه عليهم بانّهم لا يؤمنون ، وعلى قلوبهم بأنّها لا تقبل الحقّ ، وعلى أسماعهم بأنّها لا تصغي اليه ، كما يقول الرجل لصاحبة أراك تختم على ما يقوله فلان ، أي تصدّقه وتشهد بانّه حقّ ، وقولهم : ختمت دليلك بانك لا تفلح ، أي شهدت وهذا الوجه وإن ذكره في «المجمع» وغيره لكنّه ضعيف.
ومنها انّ الختم عبارة عن ترك القسر والإلجاء إلى الايمان فيجوز إسناده إلى الله تعالى حقيقة فمعنى ختم الله على قلوبهم انّه لم يقسرهم على الايمان ، حيث إنّ الختم عليها لا يكون إلّا بترك القسر الّذي ليس مقصودا بنفسه ، بل ينتقل منه إلى أنّ مقتضى حالهم الإلجاء لولا ابتناء التكليف على الإختيار ، حيث لا تغني عنهم الآيات والنذر ، ولا تجدي عليهم الألطاف المحصّلة ولا المقرّبة ، وذلك لانهماكهم في الغيّ والضّلال وتناهيهم في الإصرار على الكفر والإنكار.
ومنها أن يكون ذلك حكاية لما كانت الكفرة يقولونه لا بعبارتهم كما حكى عنهم : (وَقالُوا : قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) (١).
والغرض التّهكم والاستهزاء بهم وبمعتقدهم في إسناد القبائح إليه سبحانه كما تهكّم بهم في قوله : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) (٢) اشارة إلى ما كانوا يقولونه قبل البعثة من أنّا لا ننفكّ عن
__________________
(١) فصّلت : ٥.
(٢) البيّنة : ١.