الأمّي المبعوث بمكّة الّذي يهاجر منها الى المدينة يأتي بكتاب الله بالحروف المقطّعة افتتاح بعض سوره ، يحفّظه أمّته فيقرءونه قياما وقعودا ومساء وصباحا ، وعلى كل حال ، يسهّل الله حفظه عليهم ، ويقرنون بمحمّد أخاه ووصيّه علي بن أبي طالب الآخذ منه علومه الّتي علّمها ، والمتقلّد عنه أماناته الّتي قلّدها ، ومذلّل كلّ من عاند محمدا بسيفه الباتر ، ومفحم كلّ من جادله وخاصمه بدليله القاهر ، يقاتل عباد الله على تنزيل كتاب الله حتّى يقودهم الى قبوله طائعين وكارهين ، حتى إذا صار محمّد الى رضوان الله تعالى ، وارتدّ كثير ممّن كان أعطاه ظاهرا الإيمان ، وحرفوا تأويلاته ، وغيّروا معانيه ووصفوها (١) على خلاف وجهها. قاتلهم بعد ذلك عليّ على تأويله حتى يكون إبليس الغاوي لهم هو الخاسئ الذليل المطرد المغلول.
قال : فلمّا بعث الله محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم أظهره بمكّة وسيّره منها الى المدينة وأظهره بها ، ثمّ أنزل عليه الكتاب وجعل افتتاح سورته الكبرى (الم) يعني ال م (ذلِكَ الْكِتابُ) ، وهو الكتاب الّذي أخبرت أنبيائي السالفين أنّي سأنزله عليك يا محمّد (لا رَيْبَ فِيهِ).
فقد ظهر كما أخبر به أنبيائه ، وأنّ محمّدا ينزل عليه كتاب مبارك لا يمحوه الماء يقرئه هو وأمّته على سائر أحوالهم ... الى آخر ما مرّ (٢).
ولعلّ المراد بقوله عليهالسلام «لا يمحوه الماء» أنّه لا ينسخه شيء إلى يوم القيامة.
وفي «النهاية الأثيرية» : في الخبر أنّه قال فيما يحكي عن ربّه : «وانزل عليك كتابا لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقظانا» أراد أنه لا يمحى أبدا ، بل هو محفوظ (فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) ... (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) ، وكانت الكتب
__________________
(١) في نور الثقلين : ووضعوها على خلاف وجوهها.
(٢) نور الثقلين ج ١ ص ٢٧ ـ ٢٨ ح ٧ عن تفسير المنسوب الى الامام العسكري عليهالسلام.