ودعاءهم ، يأنس إليهم ؛ فهابته الملائكة ، حتى شكت إلى الله في دعائها ، وفي صلاتها فخفضه إلى الأرض فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش حتى شكا ذلك إلى الله في دعائه وفي صلاته ، فوجّه إلى مكّة ، فكان موضع قدمه قرية ، وخطوه مفازة ، حتى انتهى إلى مكّة ، وأنزل الله ياقوتة من ياقوت الجنة ، فكانت على موضع البيت الآن ، فلم يزل يطوف به ، حتى أنزل الله الطوفان ، فرفعت تلك الياقوتة ، حتى بعث الله إبراهيم فبناه ؛ فذلك قول الله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ)(١) إلى غير ذلك مما مرجعه إلى أخبار بني إسرائيل وخرافاتهم.
ولم يصح في ذلك خبر عن المعصوم صلىاللهعليهوآلهوسلم ويرحم الله الإمام الحافظ ابن كثير ، فقد بيّن لنا منشأ معظم هذه الروايات التي هي من صنع بني إسرائيل ، ودسّ زنادقتهم ، فقد قال فيما رواه البيهقي في «الدلائل» ، من طرق عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «بعث الله جبريل إلى آدم ، فأمره ، ببناء البيت ، فبناه آدم ، ثم أمره بالطواف به ، وقال له : أنت أول الناس ، وهذا أول بيت وضع للناس».
قال ابن كثير : إنه من مفردات ابن لهيعة ، وهو ضعيف ، والأشبه ـ والله أعلم ـ أن يكون موقوفا على عبد الله بن عمرو بن العاص ، ويكون من الزاملتين (٢) اللتين أصابهما يوم اليرموك ، من كتب أهل الكتاب ، فكان يحدّث بما فيهما (٣).
وقال في «بدايته» : ولم يجيء في خبر صحيح عن المعصوم أن البيت كان مبنيا قبل الخليل عليهالسلام ، ومن تمسّك في هذا بقوله : (مَكانَ الْبَيْتِ) فليس بناهض
__________________
(١) تفسير ابن جرير ، ج ١ ، ص ٤٢٨ و ٤٢٩. الحج / ٢٦.
(٢) الزاملة : البعير الذي يحمل عليه المتاع.
(٣) تفسير ابن كثير ، ج ١ ، ص ٣٨٣ وتفسير البغوي ، ج ١ ، ص ١١٥ وفتح الباري ، ج ٦ ، ص ٣١٠.