تفسيره على منوالهما ، فجاء صورة أخرى عنهما مع تغييرات يسيرة. ومع ذلك فهو من أجود التفاسير المشتملة على النكات الأدبية والدقائق البلاغية ، فكان غاية في حسن الصوغ وجمال التعبير ، ومن ثم ذاعت شهرته بين أهل العلم ، وشهد له كثير من العلماء بأنه من خير التفاسير.
والمطالع في تفسيره هذا يجده لا بالطويل المملّ ، ولا بالقصير المخلّ ، وسطا مشتملا على لطائف ونكات ، وفوائد وإشارات.
ومن مميّزات هذا التفسير إقلاله من القصص الإسرائيلية ، وإن ذكر منها شيئا فإنّه يذكره مضعّفا له أو منكرا ، ومبيّنا منشأ بطلانه وذلك كما صنع في قصّة هاروت وماروت ؛ حيث فنّد ما جاء حولها من أساطير إسرائيلية ، ولهذا نراه قد صنّف فيها رسالة خاصة وبيّن فيها جهات ضعفها. ومع ذلك نجده لم يخل من قصص إسرائيلية ، كما نجده في قصة داود وأوريا ، والخرافات التي حيكت حولها ، وقد زعم المؤلف : أن ذلك كان جائزا في شريعة داود (١). هكذا يبرّر من غير تبرير. وهو أشعري في مسلكه ، ويفسّر الآيات في ضوء ذاك المذهب البائد.
تفسير الآلوسي (روح المعاني)
للسيد محمود أفندي الآلوسي البغدادي المتوفّى سنة (١٢٧٠). كان شيخ علماء الأحناف ببغداد ، جمع بين المعقول والمنقول ، حسبما أوتي من حظ عظيم في التوسع والتتبّع. كان عالما بمبادئ الأصول والفروع ، محدّثا ومفسرا خبيرا. وكان ذا حافظة غريبة ، كان لا يحفظ شيئا إلّا وقد حضره. كان يقول : ما استودعت ذهني شيئا فخانني. تقلّد إفتاء الحنفية سنة (١٢٤٢) ، وتولّى أوقاف مدرسة
__________________
(١) راجع : القصة في تفسير أبي السعود ، ج ٧ ، ص ٢٢٢.