عبده.
وعلى أي تقدير ، فإنّ مثل تفسير ابن جرير يعدّ اليوم من خير كتب التفسير الجامعة لآراء السلف وأقوالهم ، ولولاه لربّما ضاعت أكثر هذه الآراء ، فهو من أمّهات التفاسير المعتمدة في النقل والتفسير بالمأثور. ونحن نعتمد صحة نقله ، وإن كان في المنقول على يديه كثير من الغثّ والفاسد ، مما ألزم علينا النقد والتمحيص.
منهجه في التفسير ونقد الآراء
إنه يذكر الآية أوّلا ، ثم يعقبها بتفسير غريب اللّغة فيها ، أو إعراب مشكلها ، إذا دعت الحاجة إلى ذلك ، وربما يستشهد بأشعار العرب وأمثالهم. وبعد ذلك يأتي إلى تأويل الآية ، أي تفسيرها على الوجه الراجح ، فيأتي بحديث أو قول مأثور إن كان هناك رأي واحد. أما إذا ازدحمت الأقوال والآراء ، فعند ذلك يذكر كل تأويل على حدّه ، وربّما رجّح لدى تضارب الآراء أحدها وأتى بمرجّحاته إن لغة أو اعتبارا ، وربما فصّل الكلام في اللغة والإعراب ، واستشهاده بالشعر والأدب.
مثلا نراه عند قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(١) يقول : وتأويل «سواء» : معتدل ، مأخوذ من التساوي ، كقولك : متساو هذان الأمران عندي ، وهما عندي سواء ، أي هما متعادلان عندي. ومنه قول الله ـ جلّ ثناؤه ـ : (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ)(٢) يعني : أعلمهم وآذنهم بالحرب حتى يستوي علمك وعلمهم ، بما عليه كل فريق منهم للفريق الآخر. فكذلك قوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ) معتدل عندهم أيّ الأمرين كان منك إليهم : الإنذار
__________________
(١) البقرة / ٦.
(٢) الأنفال / ٥٨.