تفسير البيضاوي (أنوار التنزيل وأسرار التأويل)
المؤلف هو القاضي ناصر الدين أبو الخير ، عبد الله بن عمر بن محمد بن علي ، البيضاوي الشافعي ، نسبة إلى بيضاء ، مدينة كانت مشهورة بفارس ، بينها وبين شيراز ثمانية فراسخ ، ولي قضاء شيراز ، وكان إماما بارزا نظّارا خيّرا كما قال السبكي توفّي سنة (٦٨٥). له مصنفات جيّدة أهمها هذا التفسير الذي اعتمد فيه على تفسير «الكشاف» للزمخشري.
وهو تفسير جيّد لطيف ، جمع فيه بين حسن العبارة وقوّة البيان ، ومن ثم اعتمده كثير من المفسرين ، كالمولى الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي ، وله نظرات وآراء دقيقة في حلّ معضلات الآيات ، هو عند تفسير قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) من سورة الحمد ، ينوّع الهداية إلى مراحل أربعة ، مترتّبة بعضها إثر بعض ، فإنما يسأل العباد النيل إلى مراتب أعلى من هداية الله للعباد. وهذا تفسير طريف يوجّه سؤال الهداية في أمثال هذه الآية ، ربما لم يسبقه إليه أحد من المفسرين.
يقال : إنه أشعري المسلك ، ومن ثم إنه أخذ من تفسير الكشاف كثيرا ، لكنه ترك ما فيه من اعتزال ، وهذا غير صحيح ؛ لأنه يذهب في تفسيره مذهب أهل العدل والتنزيه ، ومن ثم نراه يؤوّل كثيرا من ظواهر آيات تنافي دليل العقل.
مثلا عند تفسير قوله تعالى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ)(١) وجدناه يقول : إلّا قياما كقيام المصروع ، وهو وارد على ما يزعمون أنّ الشيطان يخبط الإنسان فيصرع. ثم يفسّر «المس» بالجنون ، ويقول : وهذا أيضا من زعماتهم أنّ الجنّي يمسّ الرجل فيختلط
__________________
(١) البقرة / ٢٧٥.