تفاسير عرفانيّة
(التفسير الرمزي والإشاري)
هناك لأهل العرفان الباطني تفاسير وضعت على أساس تأويل الظواهر ، والأخذ ببواطن التعابير دون دلالاتها الظاهرة ، اعتمادا على دلالة الرمز والإشارة فيما اصطلحوا عليه ، مستفادة من عرض الكلام وجانبه ، وليس من صريح اللفظ وصميم صلبه. فقد فرضوا لظواهر التعبير بواطن حملوها حملا على القرآن الكريم ، استنادا إلى مجرّد الذوق العرفاني الخاص ، وراء الفهم المتعارف العام.
وهي نزعة صوفية (١) قديمة ، دخيلة على الإسلام ، بعد أن ترجمت الفلسفة
__________________
(١) الصوفية ، نسبة إلى الصوف : اسم رمزي لفئات جعلت شعارها التقشّف في الحياة والتزهّد عن مباهجها ، ومنه الاجتزاء بلبس الصوف بدلا من فاخر الثياب ، كناية عن الإعراض عن مطلق الترفّه في الحياة. وكان من مبتدعاتهم أن جعلوا «الطريقة» في مقابلة «الشريعة» ، فزعموا : من أهل الشريعة هم أهل الظواهر ، وأهل الطريقة هم أهل البواطن ، وحسبوا من أنفسهم الجمع بين الطريقة والشريعة ، ولكن مفضّلين الطريقة على الشريعة ، زعما بأنّ الأصل هو الباطن ، وأنّ الظاهر عنوان الباطن.
وقد تسرّبت النزعة الصوفية إلى بعض أوساط الخواصّ ، حاملة اسم «العرفان» كانت طريقتهم في السلوك والعرفان أمتن وأدقّ ظرافة من طرائق العامّة ، وكانت تأويلاتهم لظواهر الكتاب والسنّة أقرب وأضبط.
ولكلا الطائفتين تفاسير مبتنية على أساس التأويل ، كل على شاكلته ، سوف نتعرّض إلى أمثلتها إن شاء الله.