قال في القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار» (١).
إذن فمن سلك طريقة العقلاء في فهم الكلام ، واعتمد الدلائل والشواهد ، وراجع أقوال السلف الصالح ، ثم أعمل نظره في فهم كلام الله ، لم يكن مفسرا بالرأي ، لا مستبدا برأيه ولا محمّلا برأيه على القرآن الكريم ، والعصمة بالله سبحانه.
تنوّع التفسير الاجتهادي
ومما يجدر التّنبّه له ، أنّ التفسير الاجتهادي المبتني على إعمال الرأي والنظر ، يتنوّع تنوّعا حسب مواهب المفسرين وقدراتهم العلميّة والأدبيّة ، ومعطياتهم في العلوم والمعارف ؛ إذ كل صاحب فنّ وعلم إنما يجعل من صناعته العلمية وسيلة لفهم القرآن ، وينظر إليه من الزاوية الّتي كانت مقدرته متركّزة عليها ، ومن ثمّ تختلف براعة كل مفسر عن غيره ، في الجهة التي كانت قدرته العلمية أبرع وأمتن. فصاحب الأدب الرفيع ، إنما يفوق غيره في براعته الأدبية في التفسير ، وهكذا صاحب الفلسفة والكلام والفقه واللغة ، وحتى صاحب العلوم الطبيعية والرياضيات والأفلاك ، ونحو ذلك. فكل صاحب مهنة إنما يبرع في عمله ، إذا خاض التفسير من جهة صناعته ، ومن زاوية اختصاصه ، الأمر الذي جعل من التفسير متنوّعا ، حسب معطيات أصحاب التفاسير.
ومن ثم نستطيع أن ننوّع ألوان التفسير إلى : أدبي ولغوي ، كلامي وفلسفي وعرفاني ، اجتماعي وعلمي ، وجامع بين أمرين أو أمور من ذلك ؛ ليكون من
__________________
(١) تفسير الطبري ، ج ١ ، ص ٢٧.