وهي من خرافات بني إسرائيل ولا محالة ، والعجب من البغوي أن يجعل هذه الأكاذيب أصحّ من القول الآخر الذي هو أجدر بالقبول وأولى بالصحة ، ونحن لا نشك في أن ابن جريج وغيره ممن رووا ذلك ، إنما أخذوه عن أهل الكتاب الذين أسلموا ، ولا يمكن أبدا أن يكون متلقّيا عن المعصوم صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقال الآلوسي ، بعد ذكر ما ذكرناه : «وضعّف هذه الحكاية ابن الخازن ، وأنا لا أراها شيئا ، وأظنك لا تجد لها سندا يعول عليه ولو ابتغيت نفقا في الأرض ، أو سلّما في السماء» (١).
التفسير الصحيح للآية
والذي يترجّح عندنا : أن المراد بهم أناس من قوم موسى عليهالسلام اهتدوا إلى الحق ، ودعوا الناس إليه ، وبالحق يعدلون فيما يعرض لهم من الأحكام والقضايا ، وأنّ هؤلاء الناس وجدوا في عهد موسى ، وبعده ، بل وفي عهد نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد بيّن الله تبارك وتعالى بهذا : أن اليهود وإن كانت الكثرة الكاثرة فيهم تجحد الحق وتنكره ، وتجور في الأحكام ، وتعادي الأنبياء ، وتقتل بعضهم ، وتكذب البعض الآخر ، وفيهم من شكاسة الأخلاق والطباع ، ما فيهم ، فهنالك أمة كثيرة منهم : يهدون بالحق ، وبه يعدلون ، فهم لا يتأبّون عن الحق ، ففيه شهادة وتزكية لهؤلاء ، وتعريض بالكثرة الغالبة منهم ، التي ليست كذلك ، والتي جحدت نبوة نبينا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فيمن جحدها من طوائف البشر ، وناصبته العداوة والبغضاء ، وهو ما يشعر به قوله سبحانه قبل : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ
__________________
(١) تفسير الآلوسي ، ج ٩ ، ص ٨٤ و ٨٥.