٢ ـ اللّون الأدبي الاجتماعي
يمتاز التفسير في هذا العصر ، بتلوّنه باللّون الأدبي الاجتماعي ، ونعني بذلك أنّ التفسير لم يعد يظهر عليه في هذا العصر ذلك الطابع التقليدي الجافّ ، من معالجة مسائل شكليّة ، كادت تصرف الناس عن هداية القرآن الكريم ، وانشغالهم بمباحث فارغة لا تمسّ روح القرآن وحقيقته. وإنّما ظهر عليه طابع آخر وتلوّن بلون يكاد يكون جديدا وطارئا على التفسير ، ذلك هو معالجة النصوص القرآنية معالجة تقوم أولا وقبل كل شيء على إظهار مواضع الدقة في التعبير القرآني ، ثم بعد ذلك تصاغ تلك المعاني التي يهدف القرآن إليها في أسلوب شيّق أخّاذ ، ثم يطبّق النص القرآني على ما في الكون والحياة من سنن الاجتماع ونظم العمران.
هذه النهضة الأدبية الاجتماعية قامت بمجهود كبير في تفسير كتاب الله تعالى ، قرّبت القرآن إلى أفهام الناس ، في مستوى عام كان أقرب إلى الواقعية من الأمس الدابر.
وإليك من امتيازات هذه المدرسة التفسيرية الحديثة : إنها نظرت إلى القرآن نظرة بعيدة عن التأثّر بمذهب من المذاهب ، فلم يكن منها ما كان من كثير من المفسّرين القدامى من التأثر بالمذهب ، إلى درجة كانت تجعل القرآن تابعا لمذهبه ، فيؤوّل القرآن بما يتّفق معه ، وإن كان تأويلا متكلّفا وبعيدا.
كما أنها وقفت من الروايات الإسرائيليّة موقف الناقد البصير ، فلم تشوّه التفسير بما شوّه به في كثير من كتب المتقدمين ، من الروايات الخرافية المكذوبة ، التي أحاطت بجمال القرآن وجلاله ، فأساءت إليه وجرّأت الطاعنين عليه.
كذلك لم تغترّ هذه المدرسة بما اغترّ به كثير من المفسّرين من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة ، التي كان لها أثر سيّئ في التفسير.