ولقد كان من أثر عدم اغترار هذه المدرسة بالروايات الإسرائيلية ، والأحاديث الموضوعة أنها لم تخض في تعيين ما أبهمه القرآن ، من مثل الحروف المقطّعة ، وبعض الألفاظ المبهمة الواردة في القرآن ، مما أبهمه القرآن إبهاما ، ولم تكن غاية في إظهاره حينذاك ، كما لم تجرأ على الخوض في الكلام عن الأمور الغيبيّة ، التي لا تعرف إلّا من جهة النصوص الصحيحة الصريحة ، بل قرّرت مبدأ الإيمان بما جاء من ذلك مجملا ، ومنعت من الخوض في التفصيلات والجزئيات ، في مثل الحياة البرزخية والجنة والنار والحور والقصور والغلمان وما شابه ذلك ، وهذا مبدأ سليم ، يقف حاجزا منيعا دون تسرّب شيء من خرافات الغيب المظنون ، إلى المقطوع والمعقول من العقائد.
كذلك نجد هذه المدرسة أبعدت التفسير عن التأثر باصطلاحات العلوم والفنون والفلسفة والكلام ، التي زجّ بها في التفسير ، بدون أن يكون في حاجة إليها ، ولم تتناول من ذلك إلّا بمقدار الحاجة ، وعلى حسب الضرورة فقط. هذه كلها من الناحية السلبية التي سلكتها هذه المدرسة.
وأمّا من الناحية الإيجابيّة ، فإنّ هذه المدرسة نهجت بالتفسير منهجا أدبيّا اجتماعيا ، فكشفت عن بلاغة القرآن وإعجازه في البيان ، وأوضحت معانيه ومراميه ، وأظهرت ما فيه من سنن الكون الأعظم ونظم الاجتماع ، وعالجت مشاكل الأمّة الإسلامية خاصّة ، ومشاكل الأمم عامّة ، بما أرشد إليه القرآن ، من هداية وتعاليم ، والتي جمعت بين خيري الدنيا والآخرة.
كما وفّقت بين القرآن وما أثبته العلم من نظريّات صحيحة وثابتة ، وجلت للناس أنّ القرآن كتاب الله الخالد ، الذي يستطيع أن يساير التطوّر الزمني والبشري ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
كما دفعت ما ورد من شبه على القرآن ، وفنّدت ما أثير حوله من شكوك