فالحديث في السورة إنما هو عمّن مضى من الأقوام الذين مكّن الله لهم في الأرض ، ولمّا لم يشكروا نعم الله عليهم ، ولم يؤمنوا به وبرسله ، بطش بهم ، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر. ففيه تخويف لكفار مكة ، الذين هم دون هؤلاء في كل شيء ، وتحذيرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب هؤلاء.
ما روي في عظم طولهم
وليس معنى قوتهم ، وعظم خلقهم ، وشدة بطشهم أنهم خارجون عن المألوف في الفطرة ، فمن ثم لا نكاد نصدّق ما روي في عظم أجسامهم ، وخروج طولهم عن المألوف المعروف ، حتى في هذه الأزمنة ، فقد روى ابن جرير في تفسيره ، وابن أبي حاتم وغيرهما عن قتادة ، قال : كنا نحدّث أن «إرم» قبيلة من عاد ، كان يقال لهم : ذات العماد ، كانوا أهل عمود ، (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) ، قال : ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر ذراعا (١) طولا في السماء ، وهذا من جنس ما روي في العماليق. وأغلب الظن عندنا أن من ذكر لهم ذلك هم أهل الكتاب الذين أسلموا ، وأنه من الإسرائيليات المختلفة.
وأيضا لا نكاد نصدّق ، ما روي عن المعصوم صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذا ، فقد روى ابن أبي حاتم ، قال : حدّثنا أبي ، قال : حدثنا أبو صالح كاتب الليث ، قال : حدثني معاوية ابن صالح ، عمن حدّثه ، عن المقدام بن معديكرب ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنه ذكر (إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) فقال : «كان الرجل منهم يأتي إلى الصخرة ، فيحملها على كاهله ، فيلقيها على أي حي أراد فيهلكهم» (٢). ولعل البلاء ، والاختلاق فيه من
__________________
(١) حوالي ستة أمتار أو تزيد.
(٢) تفسير ابن كثير ، ج ٤ ، ص ٥٠٧.