٢ ـ حقائق التفسير للسّلمي
وثاني تفاسير الصوفية التي ظهرت إلى الوجود ، تفسير أبي عبد الرحمن السّلمي ، المسمّى ب «حقائق التفسير» هو أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن موسى الأزدي السّلمي ، المولود سنة (٣٣٠) والمتوفّى سنة (٤١٢). كان شيخ الصوفية ورائدهم بخراسان ، وله اليد الطولى في التصوّف ، وكان موفّقا في علوم الحقائق حسبما اصطلح عليه القوم وكان على جانب كبير من العلم بالحديث ، أخذ منه الحاكم النيسابوري والقشيري صاحب التفسير.
وهذا التفسير من أهم تفاسير الصوفية ، ويعدّ من أمّهات المراجع للتفسير الباطني لمن تأخر عنه ، كالقشيري والشيرازي وأضرابهما من أقطاب الصوفية.
وهو امتداد للتفسير الصوفي الذي ابتدعه التستري من ذي قبل وتفصيل فيه ، وتحرير واسع للذوق الصوفي في فهمه لمعاني كلمات الله في القرآن العظيم. يقول في مقدمته :
«لما رأيت المتوسّمين بعلوم الظاهر قد سبقوا في أنواع فرائد القرآن ، من قراءات وتفاسير ومشكلات وأحكام ، وإعراب ولغة ، ومجمل ومفصّل ، وناسخ ومنسوخ ، ولم يشتغل أحد منهم بفهم الخطاب على لسان الحقيقة إلّا آيات متفرّقة ، أحببت أن أجمع حروفا استحسنها من ذلك ، وأضمّ أقوال مشايخ أهل الحقيقة إلى ذلك ، وأرتّبه على السور ، حسب وسعي وطاقتي» (١).
غير أنّ الاقتصار على المعاني الإشاريّة ، والإعراض عن المعاني الظاهرة في هذا التفسير ، ترك للعلماء مجالا للطعن عليه ، ولقى معارضات شديدة من معاصريه وممن أتوا بعده ، فاتّهم بالابتداع والتحريف والقرمطة ، ووضع
__________________
(١) حقائق التفسير للسّلمي ، ص ١ ـ ٢.