القرآن يردّ هذه الأكاذيب
وقد فات هؤلاء الدسّاسين الكذّابين أن قوله تعالى : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ...) الآيتين (١) ، ليس من مقالة سيدنا يوسف عليهالسلام وإنما هو من مقالة امرأة العزيز ، وهو ما يتّفق وسياق الآية ، ذلك : أن العزيز لما أرسل رسوله إلى يوسف لإحضاره من السجن ، قال له : ارجع إلى ربك ، فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطّعن أيديهن؟ فأحضر النسوة ، وسألهن ، وشهدن ببراءة يوسف ، فلم تجد امرأة العزيز بدّا من الاعتراف ، فقالت : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) إلى قوله : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) فكل ذلك من قولها ؛ ولم يكن يوسف حاضرا ثمّ ، بل كان في السجن ، فكيف يعقل أن يصدر منه ذلك في مجلس التحقيق الذي عقده العزيز؟.
وقد انتصر لهذا الرأي الذي يوائم السياق والسباق الإمام الشيخ محمّد عبده ، في تفسير «المنار». وهو آخر ما رقمه في تفسير القرآن.
وهكذا قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) :
تقول : إنما اعترفت بهذا على نفسي ، ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب في نفس الأمر ، ولا وقع المحذور الأكبر. وإنما راودت هذا الشاب مراودة ، فامتنع ؛ فلهذا اعترفت ليعلم أني بريئة ، (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) تقول المرأة : ولست أبرئ نفسي ، فإنّ النفس تتحدّث ، وتتمنّى ؛ ولهذا راودته ؛ لأن (النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) أي إلّا من عصمه الله تعالى (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ).
__________________
(١) يوسف / ٥٢ و ٥٣.