جنوحا إلى اعتزال منتزع ، في فلسفة منتزعة ، في إلحاد ، ظلمات بعضها فوق بعض (١).
امتهانه بشأن القراء
وهكذا نجد الزمخشري قد أغاظ خصومه أهل الظاهر والمقلّدة من أهل السنّة والجماعة ؛ حيث رفض حجيّة القراءات حجية تعبديّة ، حتى ولو كانت على خلاف الفصحى من اللّغة ؛ إذ لم تثبت حجّيتها بهذه السعة والإطلاق ، فإذا ما تعارضت قراءة مع المقرر من لغة العرب الفصحى ، نجد العلماء المحققين أمثال الزمخشري يرفضون تلك القراءة ، حفاظا على سلامة القرآن ، من خلل في فصاحته العليا ، الأمر الذي لم يرتضه المقلّدة من أهل الظاهر ، فهبّوا يهاجمونه بأشنع القذائف.
هذا ابن عامر قارئ دمشق ، وهو أحد القراء السبعة قرأ : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ)(٢) برفع «قتل» ونصب «أولادهم» وجرّ «شركائهم» باضافة «قتل» إلى «شركائهم» مع الفصل بالمفعول به ، وقراءة «زيّن» مبنيا للمفعول.
فأنكر عليه الزمخشري وعدّ قراءته هذه سمجة مردودة ، قال : وأما قراءة ابن عامر ... فشيء لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر ، لكان سمجا مردودا ، كما سمج وردّ :
فزججتها بمزجّة |
|
زجّ القلوص أبي مزادة (٣) |
__________________
(١) التفسير والمفسرون ، ج ١ ، ص ٤٥٢.
(٢) الأنعام / ١٣٧.
(٣) الزجّ : الطعن. والمزجّة : الرمح القصير لأنه آلة للزجّ. والقلوص : الناقة الشابّة ، وهو مفعول فاصل بين المضاف والمضاف إليه.