فكيف به في الكلام المنثور ، فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته.
قال : والذي حمله على ذلك ، أنّ رأى في بعض المصاحف «شركائهم» مكتوبا بالياء. ولو قرأ بجر الأولاد والشركاء ؛ لأنّ الأولاد شركاؤهم في أموالهم ، لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب (١).
وفي ذلك امتهان بشأن ابن عامر (٢) واستهانة بشأن قراءته غير المستندة إلى حجة معتبرة (٣) ، الأمر الذي أثار نعرات القوم ضدّه وجعلوه يقذفونه بأقبح الشتائم. هذا ابن المنير الإسكندري الهائم في تيه ضلاله ، يعلو بنشيجه في ذلك ، يقول في حدّة وغضب : لقد ركب المصنف في هذا الفصل متن عمياء ، وتاه في تيهاء ، وأنا أبرأ إلى الله ، وأبرئ حملة كتابه وحفظة كلامه مما رماهم به ، فإنه تخيّل أن القرّاء ـ أئمة الوجوه السبعة ـ اختار كل منهم حرفا قرأ به اجتهادا لا نقلا
__________________
(١) الكشاف ، ج ٢ ، ص ٧٠.
(٢) هو عبد الله بن عامر اليحصبي قارئ الشام ، توفّي سنة (١١٨). كان خامل النسب خامل الذكر ، لم يعرف نسبه كما لم يعرف له شيخ ، تعلّم القراءة عفوا ، وقد كرهه الناس وكرهوا قراءته ، كان يؤمّ الناس بالمسجد الأموي ، فلما استخلف سليمان بن عبد الملك بعث إلى مهاجر وقال : قف خلف ابن عامر فإذا تقدّم فخذ بثيابه واجذبه ، فلن يتقدم منا دعىّ ، وصلّ أنت يا مهاجر ، ففعل. راجع : التمهيد ، ج ٢ ، ص ١٨٦ ، وطبقات الفراء ، ط ٣ ، رقم ٨.
(٣) وقد تكلمنا عن القراءات السبع وأنها غير متواترة ، وإنما هي اجتهادات للقراء ، لا حجّية فيها ذاتية في سوى قراءة عاصم برواية حفص ، فإنها لوحدها القراءة المتواترة التي توارثها المسلمون من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا حجّية في غيرها إطلاقا. راجع : التمهيد ، ج ٢ ، ص ٦٠ ـ ٨٤ ، مبحث القرّاء والقراءات.