تفاسير لغويّة
هناك كتب تعرّضت لغريب اللغة في القرآن ، وفسّرت معاني الكلمات التي جاءت غريبة في كتاب الله. وقد فسّرنا فيما مضى معنى «الغريب» الواقع في القرآن ، وأنها اللّفظة المستعملة والمعروفة في لغة قبيلة دون أخرى ، فجاء استعمالها في القرآن غريبا على سائر اللغات ، وذلك في مثل «الودق» بمعنى المطر ، لغة جرهم. و «المنسأة» بمعنى العصا ، لغة حضرموت. و «آسن» بمعنى منتن ، لغة تميم. و «سعر» بمعنى جنون ، لغة عمان. و «بسّت» بمعنى تفتّتت ، لغة كندة ، وهلمّ جرّا. وعليه فالذي جاء منه في القرآن الشيء الكثير ، هو الغريب العذب والوحش السائغ ، الذي أصبح بفضل استعماله ألوفا ، وصار بعد اصطياده خلوبا ، دون البعيد الركيك ، والمتوعّر النفور. وقد بحثنا عن ذلك مستوفى عند الكلام عن إعجاز القرآن البياني (١).
والمؤلفون في غريب القرآن كثير ، أوّلهم : محمد بن السائب الكلبي الكوفي النسّابة ، من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهماالسلام المتوفّى سنة (١٤٦ ه) ثم أبو فيد مؤرّج بن عمر النحوي السدوسي البصري المتوفّى سنة (١٧٤ ه) ، وأبو الحسن النضر بن شميل المازني البصري المتوفّى سنة (٢٠٣ ه) واستمر الحال وتسلسل تأليف رسائل وكتب في غريب القرآن طول القرون ، على أيدي علماء أدباء ولغويين نبهاء ، أوضحوا الكثير من غريب ألفاظ القرآن الكريم ،
__________________
(١) التمهيد في علوم القرآن ، ج ٥ ، ص ١٠٨ ـ ١٣٠.