أمّا المراجعة إلى كتب السلف وتواريخهم من يونان أو فرس أو الهند أو اليهود أو غيرهم ، فإنّ ذلك شيء آخر ، يجب العمل فيه وفق سنن النقد والتمحيص ، وعلى مناهج السبر والتحقيق ، حسب المتعارف المعهود.
أما التوراة ، ففيها من الغثّ والسمين الشيء الكثير ، وهو الكتاب الوحيد الذي احتوى على تاريخ الأنبياء وأممهم فيما سلف ، مصحوبا بالأساطير والخرافات ، شأن سائر كتب التاريخ القديمة. والتوراة كتاب تاريخ ، قبل أن يكون كتابا سماويا ، وإنما سمّيت بالتوراة ، لاحتوائها على تعاليم اليهود ، والتي جاء بها موسى من شرائع وقعت موضع الدسّ والتحريف ، ومن ثمّ فالمراجعة إليها بحاجة إلى نقد وتحقيق ، وليس أخذا برأسه.
وفي العهد القديم جاءت تفاصيل الحوادث مما أوجز بها القرآن وطواها في سرد قضايا قصار ، أخذا بمواضع عبرها دون بيان التفصيل ، فتجوز المراجعة إلى تلكم التفاصيل لرفع بعض المبهمات في القضايا القرآنية ، ولكن على حذر تام وفق التفصيل التالي :
فالموجود في كتب السلف ـ فيما يمسّ المسائل القرآنية ـ إما موافق مع شرعنا في أصول مبانيه وفي الفروع ، أو مخالف أو مسكوت عنه.
فالمخالف منبوذ لا محالة ، لأنّ ما خالف شريعة الله فهو كذب باطل ، وأمّا المسكوت عنه فالأخذ به وتركه سواء ، شأن سائر أحداث التاريخ.
وإليك أمثلة على ذلك :
١ ـ أمثلة على الموافقة :
أـ جاء في المزامير ، المزمور (٣٧) عدد (١٠):
«أما الودعاء فيرثون الأرض ويتلذّذون في كثرة السلامة».