وليلة بعث الله تعالى صيحة من السماء ، فهلكوا.
وروى وهب بن منبّه عن عبد الله بن قلابة : أنه خرج في طلب إبل له ، فوقع عليها ـ يعني مدينة «إرم» ـ ، فحمل منها ما قدر عليه ، وبلغ خبره معاوية ، فاستحضره ، وقص عليه ، فبعث إلى كعب الأحبار ، فسأله عنها فقال : هي إرم ذات العماد ، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانه أحمر ، أشقر ، قصير ، على حاجبه خال ، ثم التفت ، فأبصر ابن قلابة ، فقال : هذا والله ذاك الرجل (١).
وهذه القصة موضوعة ، كما نبّه إلى ذلك الحفاظ ، وآثار الوضع لائحة عليه ، وكذلك ما روي : أن «إرم» مدينة دمشق ، وقيل : مدينة الإسكندرية. قال السيوطي في «الدر المنثور» : وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة ، قال : «إرم» هي دمشق ، وأخرج ابن جرير ، وعبد بن حميد ، وابن عساكر عن سعيد المقبري مثله ، وأخرج ابن عساكر ، عن سعيد بن المسيب ، مثله ، قال : وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : «إرم» هي الإسكندرية (٢).
وكل ذلك من خرافات بني إسرائيل ، ومن وضع زنادقتهم ، ثم رواها مسلمة أهل الكتاب فيما رووا ، وحملها عنهم بعض الصحابة والتابعين ، وألصقت بتفسير القرآن الكريم.
قال ابن كثير في تفسيره : ومن زعم أن المراد بقوله : (إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) : مدينة إما دمشق ، أو إسكندرية ، أو غيرهما ، ففيه نظر ، فإنه كيف يلتئم الكلام على
__________________
(١) انظر الكشّاف ، ج ٤ ، ص ٧٤٨ ، عند تفسير هذه الآية ، وتفسير البغوي ، ج ٤ ، ص ٤٨٢ ، والنسفي ، والخازن عند تفسير هذه الآية.
(٢) الدر المنثور ، ج ٦ ، ص ٣٤٧.