هذا (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) أن جعل بدلا أو عطف بيان؟ (١) ، فإنه لا يتسق الكلام حينئذ ، ثم المراد : إنما هو الإخبار عن إهلاك القبيلة المسماة بعاد ، وما أحل الله بهم من بأسه الذي لا يردّ ، لا أنّ المراد : الإخبار عن مدينة أو إقليم ، وإنما نبهت على ذلك لئلا يغتر بكثير مما ذكره جماعة من المفسرين عن هذه الآية ، من ذكر مدينة يقال لها : إرم ذات العماد ، مبنية بلبن الذهب والفضة ، وأن حصباءها لآلىء وجواهر ، وترابها بنادق المسك ... فإن هذا كله من خرافات الإسرائيليين ، من وضع بعض زنادقتهم ، ليختبروا بذلك القول الجهلة من الناس أن تصدقهم في جميع ذلك. وقال فيما روي عن ابن قلابة : فهذه الحكاية ليس يصح إسنادها ، ولو صح إلى ذلك الأعرابي فقد يكون اختلق ذلك ، أو أصابه نوع من الهوس ، والخيال ، فاعتقد أن ذلك له حقيقة في الخارج ، وهذا ما يقطع بعدم صحته (٢). وهذا قريب مما يخبر به كثير من الجهلة ، والطامعين ، والمتحيلين من وجود مطالب تحت الأرض فيها قناطير الذهب والفضة ، فيحتالون على أموال الأغنياء والضعفة ، والسفهاء ، فيأكلونها بالباطل ، في صرفها في بخاخير ، وعقاقير ، ونحو ذلك من الهذيانات ، ويطنزون بهم.
والصحيح في تفسير الآية ؛ أن المراد (بعاد ، إرم ذات العماد) قبيلة عاد المشهورة ، التي كانت تسكن الأحقاف ، شمالي حضرموت ، وهي عاد الأولى ، التي ذكرها الله سبحانه في سورة النجم ، قال سبحانه : (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) ، ويقال لمن بعدهم : عاد الآخرة ، وهم ولد عاد بن إرم بن عوص ، بن سام ، بن
__________________
(١) أي لفظ ، إرم ، بدل من عاد أو عطف بيان.
(٢) تفسير ابن كثير ، ج ٤ ، ص ٥٠٧ ـ ٥٠٨.